حمائمُ السلام وأمراءُ الانتقام !!
بقلم / فيصل يحيى الشبيبي
أياً كانت النتائجُ والتداعياتُ التي ستتمخضُ عنها الأزمةُ التي تعصفُ ببلدنا منذ أكثر من ستة أشهر، فإن الخطاب المتشنج الذي أفرزته يشير إلى سوداوية المرحلة القادمة وصعوبة تجاوز آثارها؛ نظراً لحدته وهيمنة ثقافة الفجور في الخصومة عند البعض التي وصلت حداً غير مسبوق بين الفرقاء، على الرغم من اتفاق التهدئة الذي رعاه الفريق عبد ربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية..
تفاءلنا كثيراً بأن يكون هذا الشهر الفضيل فاتحةَ خيرٍ لإنهاء الأزمة، أو على الأقل لحلحلتها كون روحانيته المعهودة ونفحاته الإيمانية ستُعيدُ العقول المسلوبة إلى رؤوس من سلبت منهم، وستجعلهم يتذكرون حرمة الدماء التي تسفك والأرواح التي تُزهق والممتلكات التي تُدمّر، لكن مع الأسف الشديد، فإن التوتر يزداد يوماً عن آخر، والبعض يجري استعداداته على قدم وساق للدخول في مواجهات لا يعلم إلاّ الله مداها، بل إن أحزاب اللقاء المشترك حددت يوم السابع عشر من الشهر الجاري يوماً لميلاد ما سمته بالمجلس الوطني، كي تجعل الناس وبدلاً من أن يحتفوا بغزوة بدر الأولى في الإسلام يتذكرون هذا اليوم المشؤوم الذي قد يُمثّلُ الشرارة الحقيقية لإذكاء الصراع بين أبناء الشعب اليمني الواحد لا سمح الله، إرضاءً لشوفينية البعض وهرولتهم نحو الفتنة، بعد أن كنا نأمل أن يكون الشهرُ الكريمُ شهراً للحوار والمحبة والتسامح والوفاق والأخوّة، وموعداً لإنهاء هذه الفتنة التي طال أمدُها، وجعل منها البعض داءً مستعصياً بعد أن كان حلُّها في متناول اليد ولايزال، وهنا نرى أن ثقافة الانتقام التي ترسّخت في أذهان هؤلاء هي من لا تريد حلاً سلمياً للأزمة، بل تعمل على تصعيدها بشتى السبل، وتحشر فيها جميع الدعوات الضيقة، من خلال استدعاء الثقافة الظلامية للماضي، سواء المناطقية أو القائمة على التفرقة المذهبية، أو غيرها مما لم ينزل الله بها من سلطان..
ومما لا شك فيه أن دوافع البعض من وراء هذه الثقافة الثأرية والانتقامية هو التغطية على جريمة مسجد دار الرئاسة، بعد أن بدأت تتكشف خيوط تلك الجريمة، وإن كُنا نفضلُ عدم الخوض في ذلك حتى إعلان نتائج التحقيقات عقب الانتهاء منها..
أخيـــــراً .. ليعلم هؤلاء جميعاً أن بينهم وبين المجد شعرةً واحدةً، وأن شبراً فقط يفصلهم عن الخلود في سفر التاريخ إن جعلوا من أنفسهم حمائم للسلام وحفظوا للوطن وحدته وأمنه واستقراره عن طريق الوفاق والتنازلات والاحتكام للعقل والمنطق والمصلحة الوطنية العليا، ما لم فإن تاريخاً آخر ينتظرهم هم يعلمونه تماماً.. أم أنهم سيرضخون لمطالب وضغوط يعرفون اتجاهاتها، وسيتحولون إلى أمراء حربٍ لا يبالون بأية انتكاسات يتعرض لها الوطن والشعب؟
نسألُ الله سبحانه وتعالى أن يهدي الجميع ويوفقهم إلى ما يُحبُ ويرضى، وإلى خير هذا الوطن والأمة، إنه الهادي إلى سواء السبيل..