ثورة التربية و التعليم باليمن
بقلم محمد عمر الضرير
ونحن نعيش أجواء الثورة اليمنية بتواريخها المحفورة في ذاكرة ووجدان الشعب، ورغم كبير التضحيات في قريبها وبعيدها، إلا أن المؤلم أن طموح المخلصين والشهداء في الوصول بالوطن لمراتب العزة والرقي، وتجديد الإرث الحضاري، وانتشال البلد من واقعه المزري، لازال يحتاج إلى مزيد من الجهود.
ونحن نعيش أجواء الثورة اليمنية بتواريخها المحفورة في ذاكرة ووجدان الشعب، ورغم كبير التضحيات في قريبها وبعيدها، إلا أن المؤلم أن طموح المخلصين والشهداء في الوصول بالوطن لمراتب العزة والرقي، وتجديد الإرث الحضاري، وانتشال البلد من واقعه المزري، لازال يحتاج إلى مزيد من الجهود.
صحيح تحقق شيء من النهوض، لكنه غير كاف، خاصة أن الكثير من البلدان ممن لا يملك ما تملكه اليمن من مقومات الحضارة والثروة البشرية والطبيعية قد فاقتنا تقدما وتطورا.
وصحيح أن الأشقاء و الأصدقاء لازالوا يقفون مع اليمن بحسن نية أو لمصالح ذاتية، إلا أن معظم وجوه تعاونهم بمثابة المسكنات الموضعية، أو الترقيعات الضرورية، إذ لا يمكن أن يكون غير اليمنيين أرفق وأحرص على اليمنيين من أنفسهم. وليس استهانة بضخامة ما قدمه الأشقاء والأصدقاء على مدى العقود الماضية، ولا انتقاصا لجهود الوطنيين الشرفاء، إلا أن اليمن واقعا لازال يحتاج إلى أم الثورات وأهمها؛ إنه يحتاج إلى ثورة التحرر الفكري ثورة العلم والمعرفة التي لا سبيل غيرها لتحقيق دولته المدنية، وأساس ثورته تنطلق من التربية والتعليم.
خمسون عاما مضت ولا زال خمسون شيخا يملكون الشعب بأكمله، حتى قال بعض الغربيين: أذا أردت تحريك 25 مليون يمني، فعليك التواصل مع خمسة وخمسين شيخا.
أليس معيبا في حق شعب العراقة والحضارة والإيمان والحكمة أن يراه الآخرون كقطيع ماشية؟!ألا يخجل المتسلطون أن تظل هذه الصورة مشاهدة من كل سكان البسيطة؟!.
و ألا يخجل من يدعم هؤلاء في الداخل والخارج من منهجة ظلم شعب بأكمله؟!!!
ثم أليس الجهل والتخلف واستعباد القبيلةمن أدخلنابواسع هذه الصورة المزرية؟!!
ألم يدق أبو الأحرار الزبيري-رحمه الله- ناقوس الخطر في ذلك مذ ما يقرب من نصف قرن في قوله:
والشعب لو كان حيا ما استخف به فرد ولا عاث فيه الظالم النهم والحياة والموت عند البلاغيين تشبيه للعلم والجهل كما هو معلوم، وها قد مرت عدة عقود ولازال جرس الزبيري يرن مُصِمًّا الآذان، ولا زلنا نقبع في خانة التخلف، ولعل التطور البسيط الناتج من وثاقة الفساد بالتعليم ارتقى بنا إلى خانة التجهيل القهري.
الوضع خطير جدا، فهو أخطر من أي مصيبة سياسية أو حقوقية بل وحتى الحربية؛ لأنه يتعلق بالمستقبل المنشود الملبي لتضحيات النبلاء والشهداء، وأستذكر هنا إشارة عميقة الفكر غائرة الهدف، من مفكر عالمي ثاقب النظر؛ وذلك أن البعض توجه للمفكر والفيلسوف الفرنسي الأشهر جان جاك روسو، وسألوه: كيف ترى مستقبل فرنسا بعد خمسين عاما؟ فأخذ بيد سائليه إلى أقرب مدرسةوأشار إلى طلابها قائلا: هؤلاء فرنسا بعد خمسين عاما.
فالمؤكد أنه لا مستقبل مشرق لليمن إن لم تقم ثورة للتربية والتعليم، تستنهض جميع مكونات العملية التربوية التعليمية: معلما ومتعلما ومناهج وإدارة… بل وحتى المباني والمنشآت التعليمة.
أستعرض هذا الخطر وقد صدر –من معالجاته- قبل عدة أيام القرار رقم ( 426 ) لسنة 2012م .من وزارة التربية والتعليم بمنع استخدام العقوبات النفسية والجسدية ضد الطلاب في كافة مدارس الجمهورية، وهذا في حد ذاته جيد في تماهيه مع سليم الأساليب التربوية، لكنه قاصر في بنيته وموضوعه؛ لأنه بكل بساطة ينتقل من أرضية المسببات، قافزا إلى سقف النتائج،ودون مراعاة المقابل، فما يقابله وخاصة في واقع تعليمنا البئيس مما أصبح عليه الطلاب من التسلط واهتراء السلوك، وكم نشرت الصحافة من أخبار إسعاف الأساتذة للمستشفيات لاعتداء بعض طلابهم عليهم، وما لم ينشر أكثر وأخطر،وما ذاك إلا نتاج بسيط يؤكد مدللا على ما وصل إليه مستوى العملية التربوية التعليمة من الانحدار الخطير.
أليس من الأجدى قبل استصدار القرار معالجة أسباب الظاهرة؟! وإذا اعتبرنا القرار علاجا لظاهرة واقعة، ألم يك من الحكمة تأمل واقع التخلف والجهل، فيخُشى من آثار انعكاسه باهتزاز ما تبقى من هيبة المعلم المثلومة أصلا، خاصة أن بعض الطلاب من سوء السلوك المتوارث مالا يردعه رادع غير الضرب. فأي شيطنة سيصل لها بعد علمه بتكبيل معلمه. ثم ألا يُخشى من تأثير ذلك على من تبقى مهذبا من الطلاب وهو يشاهد زملاءه في مدرسة الشغب لا يردعهم شيء، ويوما بعد يوم تفقد هيبة المعلم كلية.فإن كان ولابد من إمضاء القرار، ألم يك من الحكمة أن يبلَّغ به المعلمون في جلسات اجتماع خاص بمدارسهم، ولا يُنشر على الملاء فيستغله من يشاء من شياطين الطلاب بل وغيرهم ممن قد يغريهم فيتعامل مع معلمه كند، خاصة لو استحضر واقع مدارسنا المأساوي.
نريد الوصول الى عدم استخدام العقوبات النفسية والجسدية ضد الطلاب، لكن ليس بقرارات تفرض، وإنما باقتناع علمي وسلوك تربوي.
وهذا بحاجة قبلُ لتوصيف الظاهرة والنظر في مسبباتها، وذلك ما سأبتدئه في قادم حديثي.ولازال حال مؤسستنا التعليمية المؤلم يحتاج إلى كثير حديث وكبير اهتمام، ولازلت لم أدخل إلى صلب الموضوع الثوري التعليمي، وهو ما سأتناوله بعون الله في الجزء الثاني من المقال، فلا عدمت متابعتكم.
ثورة التربية و التعليم (2).
تحدثت في الموضوع السابق عن القرار الوزاري ( 426 ) القاضي بمنع استخدام العقوبات النفسية والجسدية ضد الطلاب، وكنت أود من المعنيين بإصداره التأمل في مسببات الظاهرة، وهي لا تتعدى أحد سببين: إما أن المعلم ليس مؤهلا لدوره المهم في العملية التعليمية، وحمل هم صناعة المستقبل. وإما أن يكون ما يلقاه من منغصات الواقع و الضغوط النفسية – الداخلية والخارجية- لا يطيق معها ما يبقيه متحكما في أعصابه رغم كفاءته.
فالأول: أُهْمِلَ وأَهْمَلْ. والثاني: أَخلص ولم يُخلص له.
فأما الأول: فقصته طويلة، وقد بدأت مع قرار كان حكيما في فكرته، ولكن جانب الصواب تنفيذه، ففي عهد إحدى حكوماتنا السابقة قُرر يمننة التعليم، وكان أن استبعد الأكفاء من الأشقاء المصريين والسودانيين والسوريين وغيرهم، وأُحِلَّ محلهم خريجو الثانوية من اليمنيين، وحلَّت البلوى، فغالبية من سُلِّموا بناء جيل المستقبل كانوا في أمسِّ حاجة للتأهيل العلمي التربوي، فحملوا الأمانة وكثير منهم غير مدرك لقيمتها وما ينبغي عليه إزاءها، وفاقد الشيء لا يعطيه.
فلا أدري على أي أساس وطني طبقت الفكرة، أمن أجل استيعاب خريجي الثانوية، أم من أجل توفير مال للخزينة العامة فليته ذهب للوطن..؟! ألم يك من الأجدى قبل تنفيذ القرار- رغم وطنيته- التأني في تنفيذه بوضع استراتيجية تحدد الكم المطلوب للإحلال ومدة سنوات استيعابه المتدرج، فتوسع مطورة معاهد المعلمين والكليات، فتأهل –بحسب الدراسة- لكل عام عددا محددا ممتلكا لأدوات التربية والتعليم السليمة والمتقدمة، فتنفذ الفكرة على مراحل زمنية تحقق غايتها وتؤتي أكلها بأمر حكومتنا الرشيده.
وللأسف فقد حصل ما حصل، وأتمنى رغم -الإحباط- أن يكون الكثير من المعلمين قد اكتسب الخبرة من الممارسة والتجربة في الميدان العملي، آملا من حكوماتنا أن تتدارك ما بقي فتكثف من دورات التأهيل، وإكسابهم المزيد من الخبرات والأساليب العلمية الحديثة المتسقة والتطور المتسارع للحياة من حولنا.
وأما الثاني: فذو كفاءة، ولكنه يدخل الفصل محزونا مغموما، الهموم جاثمة على صدره، والديون تثقل كاهله، والإدارة المنتفعة تقتل همته، وكل ما حوله يصادر رغبته، فالضغوط النفسية داخل المدرسة وخارجها تصحبه في فصله، فحركة التلاميذ تضايقه، وأصواتهم تزعجه، وقلة فهمهم تغضبه، وهو –غالبا- شارد الذهن، مشتت الفكر، حاضر بجسده، غائب بروحه، يتحدث الطالب فلا يتحمله، ويخطئ الآخر فلا يرحمه، لذا كثيرا ما ينفث مكنونات غضبه على أجسام طلابه.
أليس حميدا أن تنظر الحكومة إلى حال هؤلاء ممن يُصنع مستقبل البلد على أيديهم، فتعمل على تحسين ظروفهم، مما يعينهم على الانتاج.
أليس في توجيه ما يُصرف على السلاح وما يسمى بشؤون القبائل -مثلا- الصواب في توجيهه لتحسين معيشة هؤلاء؟!!
ألا يستفاد من تجارب دول كاليابان وماليزيا وغيرها نهضت بسبب اهتمامها بتحسين حال المعلمين ماديا وعلميا وتربويا؟! من منطلق أن مدماك التربية والتعليم هو أولى مداميك التأسيس السليم في البناء الوطني.
ثم لما كانت الإدارة المدرسية من أهم أسس مكونات العملية التعليمية، ولما كان الواقع يشهد أن مدراء المدارس فاسدون إلا من رحم الله -وهم قلة-، فالشهادات تباع بحسب مستواها، والمعلمون حاضرون وهم غائبون أو مغتربون و.. و…فحدث ولا حرج، أجد من الواجب الوطني بل والشرعي: أن يُعاد النظر في كل الأسماء فمن كان مخلصا لله وعمله، مستشعرا حجم المسؤولية الوطنية، يثاب ويكرم، لما في ذلك من تحفيز لمعنوياته واستنهاض لقدراته، ومن كان غير ذلك -وما أكثرهم- فليحاسبوا بكل شفافية ومصداقية، فمن تورط فيكفيه ما أخذ وما ضيع، ويزاح ليحل محله من هو جدير بذلك، وهذا ينسحب من إدارة المدرسة إلى مدير المركز التعليمي إلى إدارة التربية والتعليم بالمحافظات بجميع أقسامها وصولا إلى إدارة الوزارة، بشرط: أن توضع معايير أكاديمية علمية تربوية وطنية تكون هي المقياس العملي لإزالة الشوائب والطفيليات المؤدية لتخلف الوطن وضياع مستقبله.
مؤكدا وبقوة: على أن يكون المعيار الوطني والكفاءة البعيد عن الحزبية والطائفية والمناطقية والفئوية هو المعيار الحقيقي في التطبيق، وإلا فإننا ندور في حلقة الفساد المفرغة، ونصر على حرمان الوطن من المستقبل الذي ضحى لأجله الأحرار والشهداء بأعز ما يملكون في كل الثورات اليمنية، معلنين أننا نرحب بمضاعفة ما قد ضاع منا، مستحلين مذاق التخلف، قابعين في دائرة التجهيل الرسمي والشعبي.
لا زلت على يقين أن وضع استراتيجية ثورية تنتشل واقع المؤسسة التعليمية من محيطها المزري، مدعومة بمساندة رسمية: ممثلة في الحكومة وخاصة المالية والإعلام. وشعبية: ممثلة في الأحزاب والمنظمات والهيئات والمؤسسات بما فيها القطاع الخاص، يُعتمد في ذلك على دراسة تُكلف وزارة التربية والتعليم إعدادها وتقديمها للجهات المعنية، ونشرها على الملأ والانتقال بتنفيذها بحسب مراحلها الزمنية المقترحة، وبتعاون الجميع ممن يستشعر الهم الوطني، لنصل في زمن قريب إلى اليمن الذي نريد.
هيبة المعلم المثلومة أصلا، خاصة أن بعض الطلاب من سوء السلوك المتوارث مالا يردعه رادع غير الضرب. فأي شيطنة سيصل لها بعد علمه بتكبيل معلمه. ثم ألا يُخشى من تأثير ذلك على من تبقى مهذبا من الطلاب وهو يشاهد زملاءه في مدرسة الشغب لا يردعهم شيء، ويوما بعد يوم تفقد هيبة المعلم كلية.فإن كان ولابد من إمضاء القرار، ألم يك من الحكمة أن يبلَّغ به المعلمون في جلسات اجتماع خاص بمدارسهم، ولا يُنشر على الملاء فيستغله من يشاء من شياطين الطلاب بل وغيرهم ممن قد يغريهم فيتعامل مع معلمه كند، خاصة لو استحضر واقع مدارسنا المأساوي.
نريد الوصول الى عدم استخدام العقوبات النفسية والجسدية ضد الطلاب، لكن ليس بقرارات تفرض، وإنما باقتناع علمي وسلوك تربوي.
وهذا بحاجة قبلُ لتوصيف الظاهرة والنظر في مسبباتها، وذلك ما سأبتدئه في قادم حديثي.ولازال حال مؤسستنا التعليمية المؤلم يحتاج إلى كثير حديث وكبير اهتمام، ولازلت لم أدخل إلى صلب الموضوع الثوري التعليمي، وهو ما سأتناوله بعون الله في الجزء الثاني من المقال، فلا عدمت متابعتكم.