الفيدرالية.. مغامرة غير محسوبة
*عادل الشجاع
يبدو أن مرض السلطة لدى قادة الأحزاب السياسية في اليمن قد جعلهم يعيشون على الدوام عمى سياسياً مصحوباً بغباء تاريخي، وعلى ما يبدو فإن حالة قادة الأحزاب ظاهرة مرضية بكل معانيها الإكلينيكية حسب كل وصفات المؤرخين والساسة ورجال الفكر, طبعاً من حق هذه الأحزاب أن تحلم ككل الكائنات المحبطة أو المنتشية بعقد نقصها, لكن تصوِّر أحلامها حقائق, وتصديرها وإقحام الشعب اليمني في مغامرة تجسيد الوهم, لن تكون نتائجه حتماً إلا كارثية على اليمن بوجه عام وعلى التعددية بوجه خاص.
نحن أمام فبركة جديدة أو قل خرافة جديدة بعد أن تآكلت خرافة الثورة، فبعض الأحزاب ومعها بعض القوى القبلية استطاعت أن تستدرج المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه إلى اختراع إجماع مغشوش حول قضية مغلوطة تم تسميتها «الحفاظ على الوحدة» بتقسيم اليمن إلى أقاليم.. إذ إن الأزمات العاصفة بأحزاب اللقاء المشترك الذي عوض أن ترضخ للمطالب الشعبية وتختار الديمقراطية كنموذج إذا بها تختار مغامرة الهروب إلى التفكيك وإقحام الشعب في حروب قادمة.
لقد ذهبت هذه الأحزاب في رؤاها المقدمة إلى مؤتمر الحوار نحو الفيدرالية، هذه الرؤى تعد التفافاً على الوحدة الاندماجية، هذه الرؤى تؤكد عجز الأحزاب السياسية عن إيجاد حلول لأزماتها الهيكلية في كل المستويات وعدم قدرتها على إيجاد مشروع يخرج اليمن من أزماتها.
ولست بحاجة للقول: إن القوى السياسية جميعها ترتكب مغامرة سياسية ستؤدي إن عاجلاً أو آجلاً إلى تفكيك الوحدة بسبب هذا التهور والصبيانية السياسية.. إن هذه القوى لم تتوقف أمام ما قاله الخبراء الذين تم جلبهم إلى مؤتمر الحوار والذين أكدوا أن الفيدرالية غير صالحة لبلد مثل اليمن بسبب الوضع الاقتصادي وكذلك بسبب الوضع الجهوي، إذ إن الحدود المرسومة بين المحافظات وكذلك بين القبائل لم يتم حسمها بعد ومازالت عاملاً من عوامل الصراع.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الإصرار على هذا الانحراف الخطير والتمادي في اللهث وراء حلم استمرارها في السلطة حتى لو كان على حساب تقسيم اليمن؟
إذا كانت السلطة هي الدافع لإقدام هذه الأحزاب على تفكيك اليمن فإن الفيدرالية لاشك أنها تحمل بذرة تفكيك الوحدة الوطنية .. هناك مجموعة من الإشكالات تقف أمام نجاح النظام الفيدرالي هي:
1 – البعد الجغرافي: إن الأحزاب السياسية اليمنية التي تبنت مشروع الفيدرالية ومن سار سيرها في إطار المزايدة السياسية, لايعون أنهم إنما يخلقون مشاكل جغرافية لا يمكن حلها ولا يمكن تجنيب اليمن كارثة التفكيك والتشرذم وتجسيد المناطقية والعشائرية. إن من يتحدث عن الفيدرالية في ألمانيا وسويسرا وكندا, أو منظومات الحكم البرلماني كما في بريطانيا, إنما يغالط نفسه ويضلل الشعب ويتجنى على تاريخ الشعوب ومكوناتها الثقافية فلا يمكن أن نقارن اليمن بألمانيا التي أقامها بسمارك وعصفت بها حربان عالميتان.
2 – البعد المناطقي: لامجال للحديث عن البعد الاجتماعي في ظل الأقاليم, لأن ذلك سيعمل على تمزيق المجتمع وسيعزز البعد المناطقي والقبلي على حساب البعد الوطني, وسيعمل على تقطيع المجتمع ضمن منطق العصبية, بل إن هذا التقسيم سيعمل على إعادة هيكلة البنية العصبية وإحياء النزعات الاستقلالية.
3 – البعد التشريعي: إن الذين يسوّقون للفيدرالية يذهبون نحو النظام المركب أو المعقد, بمعنى أن البلد سيكون لها تشريعان, تشريع على مستوى الإقليم وتشريع على المستوى المركزي، وهنا سنصبح أمام أحزاب جهوية .. إن الذهاب نحو الفيدرالية بدأ كمناورات تكتيكية لكنه أصبح هدفاً رئيسياً للأحزاب والمكونات السياسية الأخرى الممثلة في مؤتمر الحوار وأعتقد أن أي تغير على المستوى الجغرافي أو التشريعي سيضع اليمن أمام مستقبل مجهول تتربص به التيارات الأصولية والتيارات المغامرة, والبنى العصبية المناطقية المختلفة.
4 – البعد الاقتصادي: كيف سيتم توزيع الثروات في ظل الاختلالات الجهوية والاقتصادية والإدارية ليجد اليمن نفسه أمام مركب متنافر من ولايات اقتصادية فقيرة متفاوتة وأخرى غنية مع ما يحتمله ذلك من صراعات ستشكل الوقود لحروب أهلية من أجل توسيع أو تقليص الجهات للحصول على موارد أكثر وحيز أوسع.
5 – البعد الأمني والقضائي: إذا كان مشروع الفيدرالية غير ممكن جغرافياً وغير مقبول مناطقياً, ومستحيل اقتصادياً فإن البعد الأمني والقضائي يعمقان هذا الرفض، فالدولة المركزية ستزول وستتحول إلى مجرد كيانات متصارعة وسنجد انفسنا أمام العصبيات المناطقية والقبلية المتصارعة.
6 – إن مشروع الفيدرالية هو مشروع انتحاري يثبت بوضوح قصر نظر القوى السياسية, وفقدانها البعد العملي والنضج السياسي.
ماذا تريد هذه القوى، حل مشكلة اليمن حقاً, أم تدميراً ذاتياً غير محسوب وتفكيكاً لليمن وإلى الأبد؟