قصة المكالمة الهاتفية التي اسقطت المرشد العام للاخون المسلمين في قبضة رجال الامن المصريين
ظلت سلطات الأمن تتابع مسار الاتصالات التي جرت على هاتف قيادي إخواني كان نائبا في البرلمان السابق عن دائرة شبرا في شمال القاهرة، عقب القبض عليه ومصادرة ما معه من أجهزة اتصالات وكومبيوتر.
وبعد نحو يومين تمكنت من التعرف على صوت مرشد الجماعة، محمد بديع، على الرغم من أنه لم يفصح عن اسمه أبدا طوال عمليات الاتصال التي جرت بينه وبين نائب شبرا. ولم يكن النائب السابق يجري الاتصالات على هاتف بديع؛ ولكن عبر رقم يخص إحدى قريباته التي تقيم في شقته الكائنة بجوار مقر الاعتصام الذي جرى فضه الأسبوع الماضي.
وقدم مصدر أمني في وزارة الداخلية رواية عن عمليات التتبع والمراقبة التي انتهت بالقبض على بديع في غرفة نومه في الشقة المملوكة لنائب شبرا، حيث كان يقيم معه عدد من مساعديه ومن أقارب النائب السابق. وقال المصدر الأمني، الذي طلب عدم تعريفه لأنه غير مخول له التصريح لوسائل الإعلام، إن الشقة تم فتحها بمفتاح.. دون أن يشير إلى ما إذا كان هذا المفتاح قد تم الحصول عليه من صاحب الشقة الأصلي بعد القبض عليه واحتجازه، أم أن سلطات الأمن فتحت الباب بمفتاح مصطنع، موضحا أن القوات لم تلجأ إلى العنف أثناء فتح الباب.
الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف ليلة أول من أمس. كان يقف أمام الباب سبعة من أفراد القوات الخاصة، بينما كان العشرات من قوات المراقبة والتأمين يحيطون بموقع العمارة رقم 84 بشارع الطيران بالقرب من مسجد رابعة العدوية، وفي الشارع الخلفي اصطفت ست سيارات بينها سيارة إسعاف وأخرى للاتصالات والباقي تابعة للشرطة، انتظارا لتنفيذ عملية اصطياد بديع.
ويوضح المصدر الأمني أن القبض على عدد من قيادات جماعة «الإخوان» خلال الأيام الماضية أسهم بشكل كبير في تحديد المكان الذي يمكن أن يوجد فيه بديع، وهو منطقة رابعة العدوية في مدينة نصر بشرق القاهرة، لكن القيادات الأمنية نجحت في تحديد موقع الشقة التي رجحت الاتصالات أنه يقيم فيها أو يتردد عليها، من خلال اتصالات جرت بالفعل على هاتف النائب المشار إليه خلال أيام الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي.
وقال المصدر: «قبل القبض على نائب شبرا يوم الخميس الماضي، اتضح من فحص هاتفه الجوال أنه تلقى اتصالات من سيدة من أقربائه تقيم مع نساء أخريات في الشقة المشار إليها، وأنه في أحد هذه الاتصالات على هاتف السيدة نفسها، ظهر صوت رجل يقدم الشكر والامتنان للنائب السابق على جهوده في تعضيد الجماعة، وتبين فيما بعد أنه صوت مرشد (الإخوان)».
وتلاحق قوات الأمن بديع، بناء على قرار توقيف صادر ضده من النيابة العامة، منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من الشهر الماضي، وذلك ضمن حملة كبرى ضد قيادات الجماعة وكوادرها، بعد عمليات كر وفر في شوارع العديد من المحافظات تسببت في مقتل المئات وإصابة الآلاف من بين «الإخوان» والمناوئين لهم والشرطة والجيش.
ومن بين التهم الموجهة لبديع التحريض على قتل من كان يحاول التظاهر أمام مكتب إرشاد الجماعة (المقر الرئيس لـ«الإخوان») في ضاحية المقطم جنوب شرقي القاهرة، الذي أحرقه معارضون للجماعة فيما بعد، عقب فتح النار عليهم من مسلحين داخل المقر يوم 30 يونيو (حزيران) الماضي.
وترددت شائعات وقتها عن لجوء بديع إلى مدينة مرسى مطروح السياحية على البحر المتوسط شمال غربي مصر، في محاولة منه للهرب برا إلى ليبيا. وتبادلت قوات الأمن هناك النار مع مسلحين موالين للجماعة، مما أدى لمقتل نحو سبعة أشخاص بينهم أربعة مدنيين. وفيما بعد قالت المصادر إن آثار بديع اختفت من القرية السياحية التي كان يختبئ فيها، والمملوكة لأحد قيادات «الإخوان» بمرسى مطروح، إلى أن ظهر بشكل مفاجئ وهو يلقي خطابا حماسيا يدعو فيه الآلاف من أنصار «الإخوان» من على منصة اعتصام رابعة العدوية للجهاد ومقاومة الحكام الجدد وإعادة مرسي إلى كرسي الحكم.
وترددت شائعات أيضا لم تتأكد وقتها عن أن تحركات المرشد بديع وتردده ما بين شقق في منطقة رابعة العدوية ومقر الاعتصام الذي جرى فضة الأسبوع الماضي، كانت معقدة بسبب ارتدائه ملابس منتقبات؛ وهي حيلة للتخفي يقول المصدر الأمني إن عددا من قادة «الإخوان» فروا من خلالها من اعتصام رابعة العدوية ومن مواقع أخرى. وتابع قائلا إن السلطات الأمنية بدأت منذ يوم السبت الماضي في مراقبة الشقة للتأكد من وجود المرشد بديع بداخلها، إلا أن جميع المعلومات انتهت حتى مساء يوم الأحد الماضي إلى عدم وجود المرشد هناك، وبينما كانت السلطات تبحث عن الرجل في أماكن أخرى، أبقت على قوات للمراقبة في محيط العمارة على مدار الساعة.
وأضاف المصدر أنه – ومنذ ظهيرة يوم الاثنين الماضي – بدأت تظهر علامات على أن بديع داخل الشقة، رغم أن رجال المراقبة لم يرصدوا صعوده إليها، وربما صعد إلى الشقة متخفيا. ومن خلال سيارة الاتصالات التي كانت تراقب وترصد الوضع خلف العمارة، جرى التأكد من وجود بديع وتحديد الغرفة التي يقيم فيها داخل الشقة. وبينما كان يقف نحو خمسة من رجال الأمن المدججين بالأسلحة وهم في ملابس مدنية على مدخل العمارة، كان أفراد القوات الخاصة السبعة على الباب، حيث وقفوا هناك لعدة دقائق قبل أن يتمكنوا من فتحه دون مقاومة والدخول في نحو الساعة الثانية فجر أمس.
وتقدمت القوة إلى غرفة بديع الذي كان نائما وهو يرتدي قميصا قطنيا أبيض وسروالا أبيض أيضا. وفتح الرجل البالغ من العمر سبعين عاما، والمولود في مثل هذا الشهر من عام 1943، عينيه ووضع نظارته الطبية؛ ليتبين أن ثلاثة من رجال الأمن يحيطون بسرير نومه، بينما كان الأربعة الآخرون يفتشون الغرف الأخرى.
وقال المصدر إن بديع ظل يحدق في أفراد القوة دون أن تبدو عليه أي علامات من الدهشة، ولم يلق أي أسئلة أو يقول أي كلمة، وكأنه كان يتوقع هذه اللحظة. وبعد نحو دقيقة من الصمت طلب السماح له بارتداء ثوبه الأبيض الذي كان موضوعا على كرسي عند طرف السرير. وخرج مع رجال الأمن إلى صالة الشقة وطلب بعض المياه للشرب.
وفي هذا التوقيت خرج اثنان من رجال الأمن الآخرين من غرفة على اليمين ومعهما سيدتان يبدو أنهما كانتا نائمتين. وخرج من غرفة تقع على اليسار رجلا الأمن الآخران ومعهما ثلاثة أشخاص يعتقد أنهم من حراس المرشد (أحدهم ابن شقيقة نائب شبرا)، وأجهزة تم ضبطها في الشقة بينها أجهزة كومبيوتر محمولة وعدد من الهواتف الجوالة.
ودخل أحد رجال الأمن من خارج الشقة في هذا التوقيت بزجاجة مياه وأخرى تحوي عصير فاكهة ووضعهما على منضدة صغيرة كانت أمام المرشد أثناء وجوده في الصالة في جلبابه الأبيض ودون نظارته الطبية، وهو يحرك شفتيه بالأدعية والآيات القرآنية، وبدا بشكل عام مستسلما لمصيره في مشهد سجلته كاميرات الأمن وجرى بثه على قنوات التلفزيون أمس.
واستغرق وجود بديع في صالة الشقة نحو 15 دقيقة، قامت خلالها قوات الأمن بمواصلة تفتيش الشقة وطلبت مزيدا من الاستعدادات اللازمة، من بينها «مدرعة مصفحة» لنقل «الصيد الثمين» كما يقول المصدر الأمني، إلى سجن طرة في جنوب القاهرة الذي وصل إليه فجر أمس، ليودع في زنزانة انفرادية، وهو السجن المحتجز فيه عدد من قيادات «الإخوان» ممن تم القبض عليهم منذ يوم الأربعاء الماضي، وعدد من قيادات نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك من المحبوسين على ذمة التحقيق في قضايا فساد وقتل منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.