رئيس بلا دولة
أحمد الصوفي
ما من تجربة إنسانية ارتبطت بتعقيدات حيازة السلطة أو التحكم في مؤسساتها إلا وفكرة المؤامرة والتدبر تكون جزءاً أصيلاً في مكوناتها، لكن سقوط السلطة في يد رجل أو جماعة ثم إدارتها بالرجل والجماعة أمران مختلفان مساحات الشراكة وتغير الحلفاء وتبدل الأولويات ووزن الفرد في مشهد التاريخ واللحظة السياسية متغيرات تجعل من الرجل ذاته لا يستطيع الدخول إلى النهر ذاته مرتين.
إن المتغيرات السياسية واقتحام المشهد من قبل قوى واتجاهات تفرض على هادي أن يتعامل مع دوائر تشكيل خيار مستقبله السياسي وتطلعاته الفردية بتأنٍ وذكاء حداً سيفرض عليه إعادة ابتكار نفسه، فهادي الذي اختارته الضرورة لم يعد مقبولاً، ولا يتميز بتلك الشروط التي يقبلها أطراف اللعبة السياسية، وعليه التعاطي مع الدوائر المركزية والمتمثلة في المكون الحزبي (المؤتمر الشعبي) ودوائر حلفاء المرحلة الانتقالية ثم الدائرة الدولية، وجميعها تضع على عاتق هادي اختبارات أشبه بذلك النوع من تأهيل الرياضيين الذين يقتحمون المنافسات العالمية في القفز على الحواجز بمرونة وسرعة ورشاقة دون النظر إلى الخلف، ويبدو أن هادي على مستوى الدوائر الثلاث يفتقر للرشاقة وأخطاء إدارته للمرحلة الماضية قد تركت أشكالاً من التكلسات وعطباً في مفاصل العزم؛ بالإضافة إلا تغير جذري بالمناخ والظروف التي أفرزته وجعلت دوره في التأثير بأبعادها الثلاثة تُجمع على أنه الخيار الأفضل، ومنح شرف أن يكون منقذ اليمن من حرب أهلية ومن مساوئ إدارة غير جيدة للدولة؛ فإذا كانت الظروف قد جعلته يلوذ بمحيطه الأسري ويتمترس خلف انتمائه الجهوي ويؤمِّن على بقائه في السلطة بخطاب التخويف من المجهول فإنه بعد عامين أمام سؤال بسيط ومعادلة يمكن إدراكها من قبل أصغر المتعلمين في الرياضيات البسيطة، وتنحصر في حقيقة أنه لا يمتلك ما يكفي من الدعم والحلفاء ليكون مرشحا رئاسيا عن المشترك، كما أنه لا يستطيع أن يمنع المؤتمر من تقديم مرشح منافس له أو بديل عنه كونه قد دشن مرحلة متوترة في العلاقة عندما طلب رسمياً من بن عمر أن يتوسط لدى صالح يطلب منه التخلي عن رئاسة المؤتمر، وكأن سلطة رئيس الجمهورية بدون المؤتمر لا تبدو كاملة، ولاحظنا كيف تصاعد الأمر ومورست الضغوط والتلويح بالمحاكمة والتحريض للمتظاهرين للزحف إلى منزل صالح وجميعها كانت خطوات يرضى عنها هادي بل هناك من يقول أنه بإيعاز منه لإجبار صالح على ترك رئاسة المؤتمر كما ترك رئاسة الجمهورية لهادي.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تحاشي هادي اللقاء بصالح طوال فترة قيادته لدفة السلطة لأسباب تتجاوز حساسية أن يكون نائباً لصالح ورئيساً عليه في البلد كون هادي حتى لحظة كتابة هذه الحروف لا يعلم من هو.. هل هو اليد الأمينة التي انتقاها صالح ليسلمها السلطة باعتبارها انتقالاً في محيط المؤتمر وجزءاً من تاريخ العلاقة العريقة التي امتدت ١٨ عام كان خلالها هادي النائب والأخ والصديق، وفي مناسبات مختلفة نجده المعبر عن (الثور الشبابية ) التي أطاحت بصالح، وجردت المؤتمر الشعبي من إصدار التوجيهات الملزمة لحصته الوزارية بحظوة في الحكومة كونها باتت ملكية خاصة بهادي، وأنهم أصبحوا المعبر عن ليس فقط وراثة صالح بل الأبطال الذين بواسطتهم جرى إنجاح تسوية بلا هوية تغتصب في المهرجانات فكرة أنها جزاء من الشباب وفي مناسبات أخرى أنها تسوية آمنة حافظت على حق جميع الأطراف في تحاشي الشعور بالهزيمة أو ادعاء النصر باستثنائه هو الذي حشد كل امتيازات المنتصر على صالح وعلى أطراف الأزمة، بل الرجل الذي يحتكم إليه في تفسير وتأويل قضايا الاتفاق السياسي بين صالح وخصومه، ولهذا إذا ما تقدم لترشيح نفسه فهو لا يملك الهوية ولا يحسن مخاطبة الناخب باعتباره ثائراً أو اعتباره خليفة لمن نعتوه بالطاغية صالح ( ومن الأمور الطريفة أن هادي في مجالسه الخاصة يتعامل مع صالح باعتباره خصماً، وتجربته في الحكم كله نواقص وأخطاء ) هنا يقف هادي أمام سؤال مركزي قد يستطيع أن يمنع المؤتمر من تقديم مرشح منافس له ولكن الإصلاح والمشترك هل يستطيعون توفير ضمانات تأمين نجاح هادي في انتخابات حرة ونزيهة بثمن سياسي قد يكون مكلفاً مقابل ألا يصعد وجه مثل توكل أو غيرها من المنافسين المحتملين الذين ركبوا الموجة، وأصبحوا نجوماً يحوزون على إعجاب وتكريم محافل دولية لا شيء يمنعهم من التطلع إلى منصب رئيس جمهورية في اليمن، وهنا سيكون هادي قد انتقل من كونه منقذ اليمن من أزمة أو رجلا يحمل طموحا مأزوماً يحتاج لمن ينقذه، وإذا افترضنا أنه استطاع السيطرة على نخب وقيادات أحزاب، وحافظ على المسافة التي فرضته رئيساً باختيارهم، هل سيكون الثمن التغاضي عن التحضيرات لانتخابات برلمانية لا يجد الإخوان في إلحاح هادي على التمديد الوسيلة المثلى في السيطرة على البرلمان القادم كون مطلب السيطرة على المؤتمر خلال العامين الماضيين هدفها ترويض هذا القوة العنيدة التي لا تريد الاعتراف بالهزيمة ولا تقبل بمركز متواضع قد يبرم باتفاق مع قيادات رأس مالها استثمار الأزمة وتوظيف مشروعية أنه المعبر عن المؤتمر.. إذاً على مستوى الإدارة الأولى يبدو وضع هادي غير مشجع ليس بسب إعلانه الخلاف مع صالح، ولكن سبب سوء تقديره للمؤتمر الشعبي العام أو امتصاص الضربات الموجعة بسبب التعيينات والقرارات في المناصب التي لم تنوه المبادرة إليها، أو القطيعة بين الهيئات الوزارية والقيادة السياسية للمؤتمر، وكذا التعيينات المدروسة للمحاطين وجميعها تلحق ضرراً بل وإقصاء للمؤتمر، ولكن ما هو أفدح سياسيا أنه خلال فترة إدارته قد حمَّل المؤتمر الشعبي العام كل صور الفشل التي منيت بها حكومة الوفاق، والذي كان المؤتمر ينظر إليها باعتبارها الضرر الفادح على مركزه الشعبي، بل إن نمو التيارات المتطرفة في المؤسسات الأمنية والعسكرية والإعلامية تشكل على المدى البعيد واحدة من أوجه النقد للمؤتمر الذي كان عليه أن يرفضها ويمنع توغلها في كيان الدولة، وأبقى المسافة بين شراكتها في حكومة الوفاق وتسللها إلى مفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية جزءاً من الخيار الاستراتيجي جراء التفويض به إلى يد النائب الأول لرئيس المؤتمر، وكأن هادي ليس جزءاً من عقيدة المؤتمر، ولا يعترف بالمكاسب التي يجب الحفاظ عليها كما يأمل أي مؤتمري.
*اليمن اليوم