إلى شهيد الوطن الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني
بقلم / د . أبوبكرعبدالله القربي*
أخي وأستاذي الشهيد عبدالعزيز عبدالغني، رحلت عنا حاملا راية الاستشهاد التي لا ينالها إلا من أحبه الله ورضي عنه، شهادة استشهاد حقيقية لا لبس فيها، لأنك في يوم الجريمة النكراء كنت تجاهد من أجل إخراج اليمن من أزمتها وحقن دماء اليمنيين وتجنيبهم الانزلاق إلى أتون صراعات مدمرة، وهو جهاد لم تسع من ورائه سوى لخير اليمنيين كل اليمنيين.
رحلت عنا أيها العزيز علينا جميعا وتركت فراغا من الصعب أن يملأه أحد لأنك وبشهادة الجميع كنت الرجل النموذج في دماثة الخلق والتعامل والعطاء والحرص على الجميع، وكنت الرجل الذي يمنح السعادة بابتسامته ويرمم الجراح بكلماته ويسعى دائما لتحقيق الوفاق والتوافق.
رحلت عنا واليمن تعيش أجواء أزمة خانقة تهدد سلمها الاجتماعي ووحدتها الوطنية وتنذر ولا قدر الله، بمواجهات عنف قد تنزلق معها إلى حرب أهلية. وبرحيلك نفقد الضمير الحي والعقل الراجح والصوت المعتدل الذي كنا نعول عليه أن يجنب اليمن الانزلاق إلى الهاوية، ولكن يحدونا الأمل في أن يكون استشهادك عبرة للأحياء لكي يدركوا أي منزلق نتجه إليه إذا نحن جميعنا لم نحكِّم العقل وروح المسؤولية والحرص على اليمن والجهاد مع النفس لكبح الأطماع والمصالح الشخصية والحزبية ونضع اليمن في صدارة اهتمامنا.
رحلت أيها العزيز وكنا نتمنى أن تكون معنا ونحن نحتفل بزوال الغمة وبإنهاء الخلاف ونعيد للوحدة ألقها، ونبدأ معاً زمنا جديداً في تاريخ اليمن نطوي فيه صفحات الماضي الدامي بكل مراحله، ونعد لنصوغ معاً مستقبله الجديد، مستقبل تتحقق فيه طموحاتنا وتطلعاتنا في بناء مجتمع يمني ينعم بالعدالة والمساواة والحرية والرخاء وتتحقق فيها كرامة الإنسان اليمني وتغيب عنه عصبية القبيلة والطائفة، وتتوحد فيه العقول وتتشابك الأيدي في شراكة حقيقية وعمل دؤوب لإرساء قواعد ثابتة لدولة مدنية أساسها الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، دولة تضع نهاية لسلبيات الأنظمة السابقة من فساد ومحسوبية وظلم وصراعات دموية.
رحلت عنا أيها العزيز وأنت دامع العينين مكلوم الفؤاد بعد أن شهدت الانقسام في قواتنا المسلحة التي كان من المفترض بها أن تجسد الوحدة الوطنية وتحميها فتحولت إلى أداة لتهديدها ولما رأيته من سلوكيات السياسيين الذين هانت عليهم اليمن وشعبها فساروا في طريق المماحكات السياسية والرهانات الخاسرة والمصالح الحزبية الضيقة ، ولاشك أن حزنك والمك تضاعفا وأنت ترى أحلام الشباب في التغيير إلى الأفضل وبالطرق السلمية يتم توظيفها من بعض الأطراف وتحويلها إلى مسارات العنف والتخريب والوقيعة
مما أدى إلى إفراغها من محتواها والانحراف بها عن هدفها .
رحلت أستاذنا العزيز يعتصرك القلق على اليمن ولسان حالك وكما كررت القول دائما أن اليمن يعاني من أزمة قيم وأخلاق تجاوزت الحدود وأصبحت تهدد كل جميل في حياتنا وفي أسلوب تعاملنا وفي لغة خطابنا فالقبيلة نرى أعرافها تنهار أمام المصالح وتأثيرها ينحسر من موقع الدفاع عن الأرض والعرض والوطن إلى موقع التدمير والعنف غير المبرر والانجراف إلى صراعات تهدد مكانة القبيلة ودورها الوطني ولم يعد في هم الساسة سوى الوصول إلى كراسي الحكم مهما كلف ذلك من ثمن وبأي طريق حتى لو أدى إلى دمار الوطن، والمفكرون تتأرجح مواقفهم بين الخاص والعام والولاء لهذا الطرف أو ذاك متجاهلين قضية الحفاظ على الوطن وأمنه ووحدته .
أكتب إليك أيها الشهيد العزيز لأعبر عن مدى الأسى الذي نشعر به لخسارتك ولأشاطرك مشاعر الألم التي مررت بها قبيل رحيلك ولكن على الرغم من كل ذلك أطمئنك لأن هناك الكثيرين من الرجال الذين سيحملون رايتك دفاعا عن قيمك متمسكين بمبادئك التي تنادي بالمحبة والإخاء وتغليب مصلحة الوطن ونبذ العنف ومقارعة الباطل ، إن هؤلاء الرجال يتوزعون في كل موقع وحزب وقبيلة وطائفة وهم اليوم مدعوون للاصطفاف معاً لحماية اليمن وإنقاذها من براثن العنف وأصحاب المصالح ودعاة الفتن وتجار الأزمات .
أيها الأخ العزيز نم قرير العين مع الشهداء والصديقين واستغفر عند ربك العزيز الغفور لمن أوصل اليمن إلى هذا الوضع وأسأله لنا التوفيق لحل هذه الأزمة بما يحفظ لليمن أمنها واستقرارها ووحدتها وسلامها الاجتماعي .
رحمك الله وغفر لك وتغمدك بواسع رحمته .
* وزير الخارجية اليمني