هل وافقت موسكو “ضمنياً” على “السيناريو اليمني” في سوريا؟
مع تصاعد موجة التنديد الدولي ضد دمشق على خلفية مجزرة الحولة واستخدامها منصة للهجوم في جولة جديدة ضد النظام،
يذكر محللون أن الهدف الأهم من الهجووم ليس دمشق بمقادر ما هو تغيير مقاربة موسكو للأزمة السورية. فقد صعّدت الولايات المتحدة من لهجة مواقفها تجاه النظام السوري ولا سيما في ضوء التطورات الأمنية التي جرت في الأيام الماضية، وخصوصاً بعد القصف العنيف الذي تعرضت له منطقة الحولة، وامتد القلق الأميركي ليصل إلى لبنان، فكان موقف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الذي صدر بتوقيت مسائي نهاية الأسبوع في واشنطن ليدلل على حجم التخوف الأميركي من انتقال الأزمة في سوريا إلى لبنان، وهو ما لا يمكن أن تقبله أو أن تكون قادرة على استيعابه في ظل جهودها المتواصلة لوضع نهاية للأزمة في سوريا.
ودائماً تعوّل الإدارة الأميركية على مسألة إقناع موسكو بإحداث تغيير جذري في مواقفها تجاه دعم النظام السوري، حيث شكلت الممانعة الروسية ما يشبه سدّاً منيعاً للدفاع عن النظام في سوريا وفق تعبير أوساط ديبلوماسية هنا في واشنطن.
وترى هذه الأوساط أن التشدد الروسي المستمر حيال عدم التنازل لمصلحة إطلاق يد مجلس الأمن الدولي في التعامل مع الأزمة السورية، ولا سيما الرفض المطلق لإصدار أي قرار تحت صلاحية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إنما ينطلق من هاجسين فعليين:
أولهما: رفض موسكو الإطاحة بالنظام الحالي في سوريا يعود لعدم القدرة على توقع كيف ستكون سوريا في المستقبل في ظل عدم وجود قيادة بديلة من المعارضة قادرة على قيادة البلاد في المرحلة الإنتقالية.
وثانيهما: يعود التشدّد الروسي، ودائماً حسب هذه المصادر، إلى حرص موسكو على عدم التفريط بأي ورقة تملكها على الساحتين الدولية والإقليمية، وتالياً فهي ترفض بتاتاً أن تفقد دورها المؤثر في سوريا في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
وتعتبر المصادر ذاتها أن الإدارة الأميركية تدرك الخطوط الحمراء هذه التي وضعتها موسكو للتفاوض معها حول الأزمة في سوريا، وعلى هذا لا تنفك الإدارة الأميركية على مستوى البيت الأبيض ووزارة الخارجية في استشراف مدى قابلية موسكو على بحث التوصل إلى إتفاق معها حول إيجاد الحلّ الجذري للأوضاع في سوريا. وهنا تكشف المصادر أن آخر المساعي الأميركية التي بذلت في هذا السياق تمثلت في الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض طوم دونيلون إلى موسكو تناولت تجديد البحث مع المسؤولين الروس على إيجاد حل للأزمة السورية على الطريقة اليمنية. وهو لهذه الغاية التقى الرئيس الروسي وبحث معه كيفية العمل على جعل الحلّ اليمني يطبق في سوريا، وفي حين لم تعط موسكو أي جواب على هذا الإقتراح فقد كان لقاء بوتين دونيلون بمثابة بروفة تحضيرية لأول لقاء مرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما الذي سيثير مع المسؤولين الروس كيفية الخروج من الأزمة في سوريا، وهو أي الرئيس أوباما، وبحسب مصادر رسمية أميركية، كان قد بحث الموضوع السوري مع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف خلال اجتماع مجموعة الثمانية في كامب ديفيد الأسبوع الماضي.
ولعلّ ما استجد على هذا الصعيد لجهة ترقب أي تغيير في الموقف الروسي حول الموضوع السوري هو ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز نقلاُ عن مسؤولين أميركيين، وهو أن الجانب الروسي ألمح إلى أن موسكو قد تفضل اعتماد الحل اليمني لمعالجة الأوضاع في سوريا وليس الخيارات التي جرى اعتمادها لتحقيق عملية الإنتقال في عدد من الدول العربية. وتشير المصادر المطلعة إلى أن الإدارة الأميركية تدرك أن سوريا هي الحليف الرئيسي لموسكو في الشرق الاوسط، وسوريا تضم قاعدة بحرية روسية وهي شريك تجاري رئيسي والمشتري من الاسلحة الروسية. وهي تبعاً لذلك تسعى إلى إعطائها الضمانات الكافية التي تحافظ على الدور الروسي في المنطقة مقابل التخلي عن دعم النظام في سوريا والضغط عليه في سياق إقناعه بقبول حل على الطريقة اليمنية.
وفي هذا السياق، أكد مسؤولون اميركيون رسميون ان واشنطن مستعدة لطمأنة موسكو، وخصوصاً في الدرجة الأولى لجهة التأكيد أن روسيا ستكون قادرة على الحفاظ على علاقاتها الوثيقة في سوريا بعد سقوط الاسد، ومع الإعتراف بأن روسيا تريد أن يكون لها تأثير مستمر في سوريا. وإزاء ما تقدّم ، فإن الخطة الجديدة التي ستلجأ إليها واشنطن تتمثل بأنها ستقوم بإبلاغ موسكو رسميا وعلى أعلى مستوى أن مصلحة الولايات المتحدة تكمن فقط في استقرار الوضع في سوريا، وليس القضاء على النفوذ الروسي في هذا البلد.