الحكم يحتاج إلى هيبة..

جهاد الخازن
لا حديث في مصر هذه الأيام سوى الانتخابات  البرلمانية قرب نهاية هذا الشهر، والأحزاب المتنافسة والمرشحون بعدد أهل  مصر، والتفاصيل تكفي ليضيع فيها سوبر كومبيوتر.


الزميلة «الأهرام» تقول إن هناك 50 حزباً تتنافس في الانتخابات، وأنا أقول  إنها ربما كانت 500 حزب. وهذا مقابل حزبين في الولايات المتحدة، وحزبين  ونصف حزب في بريطانيا.

هناك التحالف الديموقراطي بزعامة حزب الحرية والعدالة، أي حزب الإخوان  المسلمين، ويضم عشرة أحزاب بينها الغد الجديد والكرامة، وهذا الحزب غير  راضٍ عن ترتيب مرشحيه في التحالف.

الكتلة المصرية وتضم أحزاب المصريين الأحرار والمصري الديموقراطي والاجتماعي والتجمع.

تكتل الثورة مستمر وهو خليط من شباب الثورة وقوى يسارية.

طبعاً هناك حزب الوفد، وطبعاً مرة أخرى نقرأ عن انشقاقات فيه.

حزب التحرير الصوفي، ولا تحالفات له، ويهمه منافسة قوائم التحالف الإسلامي لحزب النور.

أو يختار القارئ من جبهة التحرير والتنمية والدفاع عن مكاسب الثورة، وحزب  ثوار التحرير، وحزب شباب التغيير، وحزب مصر الحر، وحزب أمناء مصر، وحزب  الشباب الديموقراطي، وحزب الصحوة.

الأحزاب تراوح بين إسلامي ويساري وليبرالي واشتراكي وقبطي ونسائي، وأعترف  بأنني ضعت بينها، والى درجة أن الملاحظات التي كنت أسجلها يوماً بعد يوم عن  تطورات الحملة الانتخابية كثرت إلى درجة أنني لم أعد أعرف ما أختار منها.

بما أنني مصري بالهواية لا الهوية، ولا أستطيع بالتالي أن أنتخب، فأنني أجد  أن شغلي الشاغل في مصر ليس الانتخابات، وإنما الأمن، وكان الاقتصاد المصري  تراجع كثيراً وسط إعصار الثورة، وتزامن مع ذلك فلتان أمني كنت أعتقد أنه  سيكون موقتاً إلا أنه مستمر وربما متفاقم، ولا دولة تستحق اسم الدولة من  دون أمن مستتب.

أقرأ عن مظاهر عنف في المحافظات كافة، خصوصاً دمياط وأسوان، وعن اعتداءات  على مقرات الشرطة في شمال سيناء، وإغلاق ميناء دمياط، وقطع الكهرباء عمداً  في مدينة، وتبادل رهائن بين قبائل وقتلى وجرحى.

كيف يمكن أن تفيد الثورة المواطن إذا لم يكن آمناً على حياته وحياة أسرته،  وعلى رزقه ويومه وغده؟ أقول إن الحكم يحتاج إلى هيبة، وهي كلمة عربية  عبقرية تجمع بين الاحترام والخوف، والهيبة للحكم أهم من حب الشعب، فهي أول  وهو ثانٍ. وثمة مثل شعبي لا أوافق عليه إلا أنه ماكيافيلي المعنى هو: الظلم  أهون عاقبة من رخاوة الحكم.

لا أحرض على الظلم أو حتى الشدة، وإنما أجد سبباً للتفاؤل في اتفاق الأحزاب  على رفض وثيقة السلمي عن الجيش والجمعية التأسيسية (من نائب رئيس الوزراء  للتحوّل الديموقراطي علي السلمي) فقد ضمت إيجابيات كثيرة، إلا أن المادتين 9  و 10 أثارتا قلقاً مبرراً، فالأحزاب الجديدة في جو الحرية لا تريد أن يصبح  الجيش وصياً على الديموقراطية ليلعب دور الجيش التركي في جمهورية أتاتورك.  وتعديل الوثيقة في النهاية بموافقة الإخوان مؤشر طيب إلى أن أطراف العمل  السياسي يريدون التفاهم ويطلبونه.

شخصياً أجد أن ديموقراطية أحزاب كثيرة ناقصة أو زائفة، وعندنا في العزل  السياسي لما أصبح اسمه «فلول الحزب الوطني» مثل صارخ على الموضوع، فالذين  جعلوا الديموقراطية جزءاً من اسم حزبهم يريدون منع أعضاء الحزب الوطني  المنحل من الترشيح في الانتخابات، وكنت أعتقد أن مثل هذا القرار للشعب كله،  فهو يصوت لهم أو ضدهم في ممارسة ديموقراطية حقيقية. وكان قرار المحكمة  الإدارية العليا بدعم ترشيح أعضاء سابقين في الحزب الوطني حكيماً عادلاً  حسم الموضوع.

أبقى متفائلاً فبعد صدمة وثيقة السلمي عادت الأحزاب إلى وثيقة الأزهر  الشريف عن دولة ديموقراطية مدنية في مصر، فهي تكفي لتبديد أي مخاوف، حقيقية  أو مصطنعة، عن سيطرة الإسلاميين على مقدرات الحكم في مصر.

أعتقد أن تعيين الشيخ الدكتور أحمد الطيب إماماً أكبر للأزهر في آذار  (مارس) من السنة الماضية كان أفضل إجراء لنظام مبارك في سنواته الأخيرة،  فالدكتور الطيب يجمع بين المعرفة الموسوعية والوسطية التي هي في أساس الدين  أو التدين. وقد قرأت له أخيراً تحذيراً من شيوع الفكر الإسلامي المتشدد  العالي الصوت الذي لا يأخذ من الدين سوى القشور، والذي يتوافق معه فكر غربي  بعيد كل البعد عن الهوية والشخصية المصرية التي كانت دائماً تراعي التنوع  والتعددية والاختلاف.

هذا كلام حكيم يستحق أن يُتَّبع. وأكمل غداً بمصر وانتخاباتها في عيون الغربيين.

الحياة-الخميس, 17 نوفمبر 2011

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *