الحوثيون.. المارد الشيعي ينفث دخانه من قلب جزيرة العرب!

البيضاء برس – قراءة تحليلية: نزار العبادي

من  لا يقرأ التاريخ تصرعه مفاجآت المستقبل، فإذا كان اليمنيون قد تجاهلوا  قرون التشطير المذهبي فإن الفرز الديني الطائفي لكبرى القوى السياسية  الرامية تسنم مقاليد الحكم “الإخوان المسلمين” كفيل باستدعاء نده التاريخي  “الزيود الشيعة” لاجترار صراعاتهما القديمة، ولكن بحسابات عصرية بالغة  التعقيد والخطورة.

 

إن قصر أنفاس السياسة العربية جعل أزماتها  متفاقمة ومتجددة، فحين سمحت اليمن ذات يوم بزرع كيان “سلفي” متشدد في قلب  حاضنة العقيدة الزيدية “صعدة” وعاصمة أئمتهم، فإنها حتماً  أغفلت أن “لكل  فعل ردة فعل”، وأن “الزيود” الذين يقفون بعقيدتهم على خط وسطي ربما يفكرون  بالانتقال إلى موقع متقدم “الإثنى عشرية” ليتسنى لهم مقاومة المد السلفي  “الوهابي” الزاحف نحو قراهم ومدنهم الفقيرة بسلاح فتاك- المال..!!


ومثلما العنف يولد عنف، فإن “دار الحديث” في  “دماج” مهدت لولادة “الشباب المؤمن” بمدينة صعدة، كحركة فكرية دعوية  استقطبت المتعلمين بدرجة أساسية، وبلغت أوج انتشارها ونشاطها في الأعوام  الأولى من الألفية الثالثة دون أن تؤطر نفسها بأي أفق سياسي.. وقد تزامن  ذلك مع اتساع هوة الخلاف الفقهي بين السيد السيد “مجد الدين المؤيدي”  والسيد “بدر الدين الحوثي”، حيث بدا الأخير أقرب إلى بعض عقائد الإثنى  عشرية في استدلاله بشأن نقاط الاختلاف بينهما.


ويبدو أن تلك المؤشرات أثارت قلق الجماعات  الوهابية ونسختها السلفية، فيما تم استثمار خلاف بين السلطات وجماعة من  “حوث” لتأويله، وتأجيجه، وتوريط الدولة بمواجهات مسلحة كان يأمل منها  المتشددون أن تنوبهم الدولة في وأد الميول الشيعية في مهدها، في نفس الوقت  الذي وجد فيها “الأخوان المسلمين” فرصة لابتزاز “المملكة” وورقة سياسية  لإشغال الدولة واستنزاف قوتها، خاصة مع تزامن تلك الأحداث مع الضغوط التي  أعقبت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة.


بعيداً عن كثير من التفاصيل، يمكن القول أن  الماكينة الإعلامية للإخوان المسلمين ونفوذهم البرلماني ووجودهم في بعض  مفاصل السلطة صنعت جزء من “المشكلة الحوثية”، كما أن الفساد والفقر الذي  تعانيه تلك الجهات صنعت جزءً آخراً من المشكلة، فعادة ما تكون الأزمات في  اليمن موسماً للإثراء السريع لأطراف مختلفة- سواء من السلطة أو المعارضة أو  الجماعات القبلية والدينية- فالكل يستثمرها بطريقته الخاصة للابتزاز.. لكن  على ما يبدو أن أحداً لم يكن يتوقع أن هذه الفئة الصغيرة التي قادها “حسين  الحوثي” ستتحول إلى نواة تنظيم مخيف يتحدى جيوش دولتين، ويقض مضاجع دول  المنطقة بأسرها، وتؤسس لبداية عصر “الحوثية” على أنقاض عصر “الزيدية” الذي  بدأ الأفول مع حلول ربيع الثورات العربية!!


ربما هو التاريخ الذي يعيد نفسه بمعادلات  جديدة، فقبل ستة قرون تقريباً استوت اليمن شطرين مذهبيين- (زيدي) يمتد من  صعدة إلى “دمت”، و(شافعي) من “عدن” إلى “المقرانة” المحاذية لمدينة “دمت”..  وعندما قامت الدولة الطاهرية في الجنوب نجح آخر ملوكها “عامر بن عبد  الوهاب” في توحيد الشطرين تحت سلطانه.. وبعد (20) عاماً من ذلك لعب الإمام  “شرف الدين” وولده “المطهر” بالورقة الدينية واقنعا المماليك بمصر بأن  الملك متواطئ مع “الإفرنج” لتمكينهم من احتلال الحجاز والقضاء على الرسالة  الإسلامية.. فكان أن اجتاح المماليك اليمن بقيادة “حسين الكردي” واسقطوا  عاصمة دولة بني طاهر “المقرانة”، حتى وصلوا صنعاء.. ثم بعد زمن قصير بدأ  عهد العثمانيين الذي أجج حرباً مذهبية توجها ا”الزيود” مع دخول القرن  العشرين بهزيمة ساحقة للأتراك في “شهارة” منحت اليمن لقب (مقبرة الغزاة)!!


لست بصدد استعراض التاريخ، بل فقط التذكير بحق  الصراع الديني “المذهبي” التي قفز فوق حقائقها اليمنيون وهم يتعاطون مع  الشأن السياسي وتداعيات الأزمات المتعاقبة التي ظلت تعصف ببلادهم دونما  انقطاع، دون أن يضعوا في الحسبان بأن التاريخ قد يعيد نفسه!! حيث أن كل  المؤشرات الحالية للأزمة السياسية اليمنية تؤكد أن (الثورة) استدعت الماضي  بقوة، وأن ساحاتها أعادت فرز القوى السياسية مذهبياً، وإن (الحوثيـــين) هم  المفاجأة الأكبر التي ستقلب موازين المنطقة بالكامل، وستقف الأنظمة أمامهم  مذهولة بلا حول ولا قوة- كما هو حالها مع “ثورات الربيع العربي”.. ولا  أبالغ في ذلك، لأن من يراجع القراءات التحليلية التي كتبتها أبان حرب صعدة  السادسة سيجد أن كل ما تكهنت بحدوثه سار وفق نفس السيناريوهات التي  تناولتها..!


لقد مثلت “حرب صعدة السادسة” انطلاقة الحراك  “الشيعي” في شبه الجزيرة العربية والخليج. ففي الوقت الذي خاضت الأنظمة  غمارها بقواعد الحرب العسكرية خاضها الحوثيون بقواعد الحرب النفسية  (الثقافية/ الدعائية) التي أشهرت تنظيمهم على شاشات كبرى الفضائيات  العالمية والصحف الأوسع انتشاراً على مستوى العالم، حيث جرّ الحوثيون أقدام  السعودية الى ميدان الحرب لاستثمار ثقلها الدولي إعلامياً، فنالوا مرادهم  بطبق من ذهب..!


وكانت ردود فعل دول المنطقة الناقمة على الشيعة  كفيلة باستفزاز كل الطوائف لديها المصنفة “شيعية”، نظراً لتهور الحكومات  ومنابرها في إطلاق الاتهامات الجزافية عليها جميعاً بالعمالة والتخوين دون  احترام لانتمائها الوطني، أو تقدير لولائها لبلدانها وشعوبها.. وهو ما زج  بتلك الطوائف في مواقف حرجة داخل ساحتها الشعبية وألّب الآخرين للتطاول  عليها وتمييزها عنصرياً، وأحياناً انتهاك حقوقها الإنسانية..!


فالحرب السادسة هي التي أشعلت معارك النواب في  مجلس الأمة الكويتي، والبرلمان البحريني، وحركت شوارع المنطقة الشرقية  بالمملكة العربية السعودية بمسيرات صاخبة ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا..  وهي أيضاً من قادت لتفجير ثورة البحرين على خلفية تصعيد الاحتكاكات بين  الطوائف وعجز الحكومات عن التدخل لنزع فتيل الفتنة بثقافة تسامحية تغلّب  روح المواطنة والانتماء للبلد على التعصب المذهبي..


فمشروع (حماية الأقليات الشيعية) الذي اقرته  الحوزات العلمية الشيعية “عالمياً” لم يكن ممكناً تحقيقه بغير إثارة القضية  أولاً، وحدوث ما يستفز تلك الأقليات ويدفعها للبحث عن الحماية من خارج  بلدانها.. ثم الأهم إحداث تحول في الثقافة الشعبية من ثقافة (الحوزات  الصامتة) المتشبثة بمبدأ “التقية” إلى ثقافة (الحوزات الناطقة) ذات الخط  الثوري التي كان “الإمام الخميني” أول من رفع قواعدها، فاقتدى بنهجه حزب  الله اللبناني، ثم “التيار الصدري” في العراق- الذي كان لوضعه بعض الخصوصية  بسبب تداعيات الاحتلال- غير أن السيد “عبد الملك الحوثي” هو من قدم  النموذج الأحدث الذي بدأ ينمي الحراك “الثوري” الشيعي في قلب جزيرة العرب  والخليج العربي..!!


على الصعيد اليمني، فإن كل الظروف التي آلت  إليها الساحة السياسية هيأت للحوثيين فرصاً مثالية، فاتفاقية وقف الحرب  السادسة منحتهم وضعاً اعتبارياً متميزاً وإمكانيات مادية جيدة وفرصة لإعادة  التقاط الأنفاس.. كما أن انشغال الدولة بمواجهة الحراك الجنوبي  “الانفصالي” كفل لهم حرية الحركة والتعبئة وإعادة تنظيم فصائلهم ورص  صفوفهم.. إلاّ أن وصول رياح “الربيع العربي” إلى اليمن كانت هي الفرصة  الذهبية التي لم يتركها الحوثيون تمضي عبثاً؛ فأول ثمار الربيع العربي في  اليمن جناها الحوثيون بالحصول على “حكم ذاتي” في محافظة صعدة. وقد خدمهم  الأخوان المسلمين بذلك عندما باشروا مخطط “إسقاط المدن” فكانوا أن ثاروا في  صعدة ليتسلمها منهم الحوثيون دون عناء كبير مثلما تسلمت فصائل القاعدة  منهم محافظة أبين دون إطلاق رصاصة، مما حذا بالإخوان التراجع عن مشروعهم  بعد هاتين التجربتين..


(الثورة) أصبحت هي كلمة سر الحوثيين لفتح أبواب  العاصمة صنعاء ومختلف محافظات اليمن وقراها لأوسع بناء تنظيمي لقاعدتهم  الشعبية منذ نشوء حركتهم في 2003م.. وبتقديري، إن كل ما تهيأ للحوثيين في  السابق من ظروف وفرص لا يقارن بشيء أمام الخطأ التاريخي الذي ارتكبه  الأخوان المسلمين في هذه المرحلة واستغله الحوثيون بذكاء شديد في التحول  إلى ندٍ حقيقي..!


فالإخوان المسلمين رموا بكل ثقلهم وإمكانياتهم  في الساحة الشعبية ليقدموا أنفسهم كبديل “وحيد” لنظام الرئيس صالح،  ويمارسوا دور (الوصي) على “الثورة” واليمن بشكل عام، مستقوين في ذلك  بالمليشيات القبلية التي تحصنت في قلب العاصمة، والفرقة المدرعة المنشقة  وقائدها “السلفي” الذي يطوق الساحات، وبفصائل الإسلاميين الموالين للشيخ  عبد المجيد الزنداني وتياره السلفي.. وهو الأمر الذي قدم “البديل” بتوصيف  ديني مذهبي وليس كبديل سياسي ثوري..


وعندما اندفع الأخوان المسلمين باتجاه المدن  ذات الأغلبية الشيعية الساحقة مثل “الجوف” و”حجة” في محاولة لفرض أنفسهم  كبدلاء لقيادات أجهزة الدولة فإنهم استفزوا بذلك الجميع، بل أججوا روح  العصبية المذهبية لدى الطرف الآخر، واستثاروا حسابات الصراع القديم، خاصة  بعد حشدهم الجماعات المتشددة من مأرب وغيرها في معارك لاجتثاث الحوثيين  وفرض وصايتهم على سكان المذهب الآخر..!


ان هذا الخطأ الفادح- وان كان هناك شك يؤوله  لحسابات إقليمية- عمق الفرز المذهبي للحراك السياسي وضاعف مخاوف ابناء  الطائفة الزيدية عموما من المجهول، خاصة مع تصعيد الحملات الإعلامية ضد  “الهاشميين” او كما عرفوا بـ”السادة” والإساءة لهم تارة، واتهامهم بالتبعية  الإيرانية او التشيع الاثنى عشري تارة أخرى، أو تصنيفهم كحوثيين في بعض  الكتابات.. وهذا كله حين يأتي في موسم تفشي العنف والفوضى والانفلات الأمني  لابد ان يثير الخوف.. وهو الظرف الذي استثمره الحوثيون لتقديم أنفسهم  كمظلة آمنه تشغل الفراغ الذي خلفته الدولة، ون لم يكن ذلك المعنى فهم  الجناح المسلح لهذه الطائفة مثلما للإخوان المسلمين أجنحة مسلحة؛ طالما وان  واقع حال حركة التغيير السياسي في اليمن الداعية لبناء دولة مدنية انحرفت  نحو فرز مذهبي لا يعترف بأي منبر في ساحات الاعتصامات غير منصة الإخوان  المسلمين، وما دونها كفر بالثورة، وإلحاد بالسياسة، وردة تآمرية عقوبتها  الحرق- كما حدث للحوثيين مؤخرا، أو الاعتقال- كما حدث للمشاركين بمسيرة  الحياة، أو التكفير- كما حدث للناشطة بشرى المقطري..!!


من الواضح ان الحوثيين استلهموا تجارب الإخوان  المسلمين فتفادوا الانغلاق في دائرة المذهبية وغلبوا الخطاب السياسي على أي  شعارات دينية من أجل التجاذب مع مختلف الأطياف الوطنية من حراك جنوبي  ومستقلين وتيارات علمانية مختلفة.. وقد يكون ذلك تكتيكا ذكياً للانعتاق من  شبهات الارتباطات الخارجية يسهل توغلهم في المجتمع، وتوسيع مساحة قواعدهم،  وتعزيز جبهة تحالفاتهم.
 
ربما فضل الحوثيون التواري عن صخب الإعلام،  إلا ان مشاركتهم الواسعة في “مسيرة الحياة” التي انطلقت من تعز الى صنعاء،  وسرقت أضواء الإعلام بأحداثها، ثم تنظيمهم وقيادتهم لـ”مسرة الكرامة” التي  أطلقوها من الحديدة الى صنعاء، تعد مؤشرات غير قابله للجدل على مدى قوة  النفوذ الذي بلغه الحوثيون بحيث أصبحوا يحركون الشارع.. وقد تزداد الدهشة  حين يجري الحديث عن نفوذ حوثي في تعز “الشافعية”، وإحدى أقوى الأوراق التي  يلعب بها الإخوان المسلمين..


إن السؤال الذي يفرض نفسه هو: إلى أين يتجه الحوثيون..!؟ وأين موقعهم في الأجندة الدولية من خرائط ربيع الثورات العربية..!؟


قد يقتضي واقع الحال تصويب المصطلح الى (الربيع  الاخواني)، لان المنطقة مقبلة على (ربيع شيعي) بعد زمن قصير جداً لن تصمد  أمامه كل الاحترازات الوقائية التي اتخذتها بعض الأنظمة العربية. إذ أن  اكبر عيوب هذه الأنظمة هي أنها لم تؤمن بعد بأن الحرب الثقافية “الإعلامية”  هي الأشد فتكا بالأمم من أي حرب عسكرية، لذلك ما انفكت هذه الأنظمة تنفق  المليارات سنوياً على شراء الأسلحة لتنهار أخيراً بحرب إعلامية رخيصة..!!


وقبل تفصيل ذلك لابد من التساؤل: ألا يبدو  غريبا ان يتبنى المجتمع الدولي مشروع تسوية وطنية في اليمن ضمن ما عرف  “بالمبادرة الخليجية” ويستثنى منها”الحوثيون” و”الحراك الجنوبي”، رغم ان  لكل منهما مناطق نفوذ جغرافية شاسعة  تكاد تشغل نصف مساحة اليمن..!؟ فان  كان العذر غياب القيادة الموحدة في الجنوب فان لدى الحوثيون قيادة مركزية..  وإن كان الأمر مقترناً بالرفض المسبق للمشاريع التشطيرية التي يتبناها  الحراك فان الحوثيين لم يطرحوا يوماً مطلبا انفصالياً.. إذن ما المشكلة!؟؟


ما حدث من إقصاء للحوثيين بالذات كان مقصوداً  لتكريس الفرز المذهبي للحراك السياسي من خلال دفع الإخوان المسلمين الى سدة  الحكم وتشكيل جبهة معارضة ذات صبغة “شيعية” في ظل علم مسبق بتشدد الطرف  الأول وثقافته الاقصائية.. أي انه تمهيد لصدام طائفي في الشمال يجتر تجارب  الحقب التاريخية الماضية من عمر اليمن.. وانفصالي في الجنوب تواق لعودة زمن  التشطير.. واذا ما حدث ذلك فان مستقبل حكم الاخوان المسلمين لليمن سيكون  على المحك مع ثورتين مضادتين، الأولى يقودها “المارد” الذي بدأ ينفث دخانه  (الحوثيون) الذين كسبوا تعاطف القوى المدنية المستقلة في جبهتهم بفضل تعصب  الآخر وفرز نفسه مذهبيا.. والثانية يقودها العائدون من زمن الماركسية  (الحراك) الذي استثمر عنف المتطرفين وهمجية المليشيات القبلية في الشمال  ليعيد تقديم نفسه للجنوب منقذاً مدنياً.. وهذا ما يفسر مسوغات الاشتباكات  الطاحنة التي تشهدها ساحات التغيير بصنعاء وكل مدن اليمن بين هذه الأطراف،  فهي الشرارات التي ستحملها رياح التعبئة الى كل مكان لإضرام حرائق الفتنة..  فمجلس الأمن الدولي لم يمنح نفسه الوصاية على اليمن بمراجعة ملفاتها كل  ستة أشهر بموجب قراره (2014) إلاّ ليعود إليها ذات يوم قريب بمشاريع  فيدرالية- إن لم تكن تشطيرية- ترسم خارطتها الجديدة!!
 
وكما ذكرت في  اول هذه القراءة “من لا يقرأ التاريخ تصرعه مفاجآت المستقبل”، فتنظيم  الإخوان المسلمين او “التجمع اليمني للإصلاح” يرتكز بقوة على الولاءات  القبلية في تشكيل نفوذه، وهذه الولاءات كانت على مدى التاريخ قرينة المصالح  المادية في معظمها لدرجة ان معظم القبائل الحدودية مع السعودية تخلت حتى  عن مذهبها الديني مقابل المرتبات والامتيازات التي تبذلها لها “اللجنة  الخاصة” بالمملكة.. وبالتالي فان الأموال التي صنعت “الربيع الاخواني” هي  أيضا من سيصنع “الربيع الشيعي”، و”الربيع الجنوبي”، وتشتري نفس الولاءات  القبلية بكبرى مزادات الشعارات الثورية الجديدة.. فقد حفظ الجميع الطريق  إلى خزانات التمويل العربية والأجنبية، وأصبح واثقاً أنها لا تنضب!


إن كل مؤشرات الصراع الذي تشهده الساحة اليمنية  تؤكد ان الغالبية العظمى من أبناء الطائفة الزيدية سيدخلون تحت المظلة  الحوثية، والبعض سيدخلها وهو كاره لانه يقلقه تشدد الطرف الآخر وممارساته  الاقصائية العنيفة ولا مناص له من البحث عن الحماية.. ولن يقتصر الأمر على  “الزيود” بل ان “الاسماعيليين” سيسبقون غيرهم في ذلك، فالنظام الذي كان  يحميهم شد رحاله، وأصبح تجريم أكبر مسئول أمني أو سياسي في البلد لا يكلف  غير قليل من الفوضى تحت عنوان “ثورة المؤسسات”..!


يعتقد كثيرون- وأنا منهم- ان الحملات الإعلامية  الشرسة التي استهدف السلفيون بها الحوثيون، وبلغة مذهبية صرفه- وما صاحبها  من فتاوي تكفير تعتبر قتل الشيعة “من أحب الأعمال التي يتقرب بها العبد  لله تعالى”، كانت من أعظم الخدمات التي قدموها للحوثيين، لان كثافة هذه  الحملات صنعت حالة خوف في أوساط الطائفة الزيدية عموما ودفعتها لرص الصفوف  خلف الحوثيين كونهم القوة المسلحة الوحيدة التي تستطيع حمايتهم من  الانتقام، خاصة عندما تأتي هذه الحملات والفتاوي في بلد أصبح تنظيم القاعدة  فيه يحكم مدناً، وتمرّ عناصره عبر نقاط التفتيش راسمة على الوجوه العلم  اليمني- فمن يجرؤ على اعتراض طريق أحد (الثوار)!؟


إن مشروع (حماية الأقليات الشيعية) بدأ يتجلى  على أرض الواقع، ولن يتطلب الأمر وقتاً طويلا حتى يحل اسم “الحوثية” بديلا  لـ”الزيدية”.. حينئذ سينفث هذا “المارد” دخانه في كل أرجاء الإقليم لنقل  عدوى التغيير الثوري بنفس أسلوب “الربيع الاخواني” الى إقليم واسع من  الجوار السعودي يطول جازان ونجران وعسير والمنطقة الشرقية عموما، وهو شريط  جغرافي يتصل بنفس مناطق البحرين الثائرة، ثم الكويت.. وهذه جميعا مناطق  ساخنة تصاعدت فيها وتيرة الحراك الشيعي منذ حرب صعدة السادسة.. وإذا ما  أسقطنا هذا التصور على الخريطة فإننا سنقف أمام محور مفتوح على العراق  وإيران يكاد يطوق المملكة العربية السعودية، ويعزل الإمارات وقطر..


وهنا سنجد أنفسنا أمام أسئلة صعبة أولها: إذا  كانت المذهبية والمناطقية صفات ذميمة تمزق وحدة الشعوب، إذن لماذا دأبت  الحكومات العربية على قراءة السياسة بلغة مذهبية!؟


في اليمن- مثلا- من فجر المدمرة الأمريكية  “كول” والناقلة الفرنسية “ليمبرج” والسفارة الأمريكية بصنعاء، وأنابيب  النفط ومحطات الكهرباء، وضرب المعسكرات والنقاط، وقتل قادة وأفراد الأمن،  واختطف السياح الأجانب، ودمر السياحة، وكبد الاقتصاد اليمني خسائراً فادحة،  وألحق باليمنيين سمعة سيئة حول العالم هم كلهم من العناصر “السلفية” أو  “الوهابية”..!! ولكن- مع هذا- كانت معارك اليمن مع  الحوثيين “الشيعة”،  فيما سُمح للسلفيين عقد مؤتمرات عامة تحت عنوان مذهبي..!! رغم إن ليست  “الشيعة” وحدها هي الثقافة الدخيلة على اليمن، فالسلفية أيضا دخيلة- الأولى  من العراق وإيران والثانية من السعودية..!


لست أدافع عن الشيعة- لأنني أبغض المذهبية كما  بغضي للكفر- وإنما قصدت لفت الانتباه إلى ظاهرة تغييب المنطق السياسي  القائم على استراتيجيات وطنية متوازنة عن دوائر الحكم العربية، وأثرها في  صناعة الأزمات.. وهي الظاهرة التي استغلها الغرب في صناعة “الفزاعة  الإيرانية” التي يبتز بها دول المنطقة ويكبلها بقواعده العسكرية وإملاءاته  السياسية، لتتفاجأ هذه الأنظمة في النهاية أن أمريكا وإيران تعايشوا سلميا  على ارض العراق، وتبادلوا أدوار اللعبة فيه على قاعدة المصالح وليس الأديان  أو المذاهب.. وليتفاجأوا أيضا إن كراسي حكمهم تدحرجها أيادٍ أخوانية  وسلفية محمولة على متون طائرات “الناتو”، أو مباركة بقرارات أمريكية  وأوروبية في الهيئات الدولية، وبحملات إعلامية تشنها كبرى المحطات اليهودية  والصهيونية..!


من جهة أخرى، لوحظ أن الأنظمة العربية ظلت تخوض  المعركة الخطأ.. فخوفها من المد الشيعي لا يستدعي شراء أسلحة بـ60 مليار  دولار- كما فعلت السعودية- لان الخطر المفترض هو فكري “ثقافي” وليس عسكري،  وكان الأحرى إعادة النظر في استراتيجيات عمل المؤسسات الثقافية والإعلامية،  وتجنيد نخب الفكر والوعي الثقافي ومنابر الإعلام الاحترافي لهذه المعركة  وليس الأبواق والمزامير والطبول الخرقاء التي تضلل صناع القرار عن الحقيقة  وتغرقهم بالأوهام، تاركة الساحة الشعبية نهبا للتعبئة وطمس الهوية الثقافية  الوطنية..!


عندما تتذمر الأنظمة العربية من الأدوار التي  تلعبها قناة “الجزيرة” القطرية في تثوير الشارع العربي وزعزعة استقرارها،  كان الأجدر بها أن تؤمن بان الإعلام هو السلاح الأشد فتكا، وتبادر إلى  تحصين بلدانها بمؤسسات إعلامية منافسة، لكنها- للأسف- لم تستوعب الدرس،  لأنها تدور في فلك بطانات فاسدة تحترف تخديرها بنفس جرعات “المورفين” التي  أدمنت عليها طوال سنوات حكمها..


لهذا فان “المارد الشيعي” سيجتاح منطقة الخليج  العربي طولاً وعرضا في زمن قياسي مذهل، لأنه يعلم بان زحفه الفكري الثقافي  لن يواجه بأي مقاومة تذكر.. فلا أحد في العالم يراهن على دحر زحف ثقافي  بألوية مدرعات سوى الحكومات العربية البليدة!!

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *