أيها الإخوان.. ثوبوا إلى رشدكم

محمد حبيب

أيها الإخوان.. هذه لحظة دقيقة وفارقة فى تاريخ الجماعة والوطن.. لحظة لا تنفع فيها مجاملة أو مزايدة أو دغدغة للعواطف..

أرجو أن تقرأوا هذه الكلمات جيداً وتتأملوا ما جاء بها، فهى لا تخلو من فائدة.. قد أكون قاسياً فيها عليكم، لكن ما أردت بها إلا وجه الله تعالى. لا أحد ينسى لقاءكم مع عمر سليمان بالرغم من الاتفاق مع رفاق الثورة أنه لا حوار إلا بعد الرحيل.. ولا أحد ينسى صفقتكم مع المجلس العسكرى عقب الثورة مباشرة، وأظن أن التعديلات الدستورية، وجمعة الوقيعة خير شاهد ودليل.. ولا أحد ينسى صمتكم المطبق أثناء مذابح ماسبيرو ومحمد محمود ١ ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد ومحمد محمود ٢.. للأسف لم تكن الدماء التى سالت تمثل عندكم شيئاً.. لم تتأثروا ولم تتكلموا.. نسيتم تلك القاعدة أنه «كما تدين تدان».. بل إنكم فى الوقت الذى كان الرفاق فيه يسحلون ويقتلون ويصابون، كنتم ترتبون لانتخابات مجلس الشعب، مع أنه لولا تلك الدماء ما كانت هناك انتخابات.. قلتم إنه لا شرعية غير شرعية البرلمان، ولما ضاقت بكم السبل واحتجتم إلى رفاق الثورة قلتم إن الشرعية هى شرعية البرلمان والميدان.. فبماذا تصفون هذه المواقف؟!.. تصورتم أن الناس ينسون، وأنه من السهل خداعهم والضحك عليهم واستغفالهم، لكن الناس أوعى وأذكى مما كنتم تظنون.. لقد خلعتم رداء الصدق والصراحة والوضوح، وفقد الناس الثقة بكم، ونزع الله المهابة منكم. ثم أتاح الله تعالى لكم فرصة العمر، فلم تكونوا على مستوى التحدى.. فشلتم وأسأتم التقدير والاختيار.. فى البداية لم تفطنوا إلى أن فوزكم بالرئاسة كان هشاً وضعيفاً، وأن ٨ ملايين صوت جاءتكم، ليس محبة فيكم ولا رضا عنكم ولكن نكاية فى منافسكم.. وبدلاً من أن تسترضوهم وتشركوهم معكم إذا بكم تقصرون اهتمامكم على الأهل والعشيرة، وهو ما جعلهم يشعرون بالخديعة.. الشعار الذى رفعتموه آنذاك «قوتنا فى وحدتنا» لم يكن سوى مطية لوصولكم إلى السلطة، وبعدها «شكر الله سعيكم» (!!).. وجاء إعلانكم الدستورى المشؤوم، الذى نصبتم فيه مرسى فرعوناً للبلاد، ومن ساعتها دخلت مصر فى أتون الانقسام، والعنف المجتمعى، والاحتراب الأهلى، وانهيار دولة القانون.. لقد وعدتم بتحقيق القصاص للشهداء ثم لم تفوا به.. بل إن عدد القتلى فى عهدكم الميمون بلغ ١٥٤ قتيلاً.. ووعدتم بتحقيق العدالة الاجتماعية، الهدف الثالث للثورة، ولم تفعلوا شيئاً. لقد خرج عشرات الملايين من شعب مصر فى ٣٠ يونيو، و٣ يوليو، رفضاً لكم وسحباً للثقة منكم.. ولولا خروج هذه الملايين ما كانت خطوة القيادة العامة للقوات المسلحة بعزل الدكتور مرسى.. كان من المفترض أن تنصاعوا لرغبة الملايين، مصدر السلطة وصاحبة الشرعية، لكنكم آثرتم أن تقفوا فى وجهها.. وبدأ التهديد والوعيد والصدام، وكانت الدماء أمام دار الحرس الجمهورى وعند المنصة. هل تريدون العودة إلى الفشل مرة أخرى؟ إنها ليست قضية إيمان وكفر، لكنها قضية سلطة وسياسة، فاحفظوا دماء الشباب من أن تراق من أجل هذه أو تلك.. هل بعد ما فعلتم يمكن أن يأمن الناس لكم؟ هل تريدون خرابها والقعود على تلها؟ عجيب أمركم.. أنتم لا تريدون الخروج على قيادتكم، السبب فى فشلكم، وهو أمر عادى فى الجماعات المدنية، فلماذا تريدون خروج الضباط والجنود على قيادتهم التى استجابت للشعب، وهو الأمر المستحيل فى التشكيلات العسكرية؟ احذروا.. أنتم بذلك تدعون إلى تمزيق أهم مؤسسات الدولة، وهذا من أعمال الخيانة الوطنية.. أنتم تثيرون إشفاقى وحزنى وألمى.. إنكم بدلاً من محاولة استعادة ثقة الجماهير إذا بكم تعوّلون على الغرب الذى لا يهمه سوى مصالحه ومصالح العدو الصهيونى.. حافظوا على قواتكم المسلحة ولا تهزوا هيبتها.. عودوا إلى أنفسكم.. تدبروا ما فعلتموه، فهو خارج نطاق العقل والحكمة والرشد.. هناك أمور تحتاج إلى إعادة تكوين وتشكيل، خاصة بعد هذه التجربة المريرة، بدلاً من التظاهر والاعتصام وإضاعة الوقت والجهد فى مزيد من التدهور والانهيار واستنزاف الدم.. أنتم فى أمس الحاجة إلى تغيير طريقة التفكير بما يتسق وطبيعة المرحلة.. لقد كان جل اهتمامكم بالسلطة على حساب التربية والدعوة، فضاع هذا وذاك.. لذا أرجو أن تعودوا إلى المنابع الأولى وأن تبدأوا من جديد.. فهذا أفضل لكم وللوطن.

* عن: المصري اليوم

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *