آخر ظرفاء هذا الزمان !
*الدكتور/ خالد الرويشان
هل ما يزال اليمنيون قادرين على الضحك !؟.. تساءلت وأنا أرى تجهّم الوجوه وحيرة العيون ونُبْل الصمت الواجم السارح في الشارع اليمني المشتعل بأصوات مولدات الكهرباء ودخانها ! بينما يصخُب السياسيون ويتقاسم المتحاورون القطعة الأخيرة من أحلام اليمنيين البسطاء في قاعات فندق موفنبيك وبهوِه الذي لا ينطفئ أبداً!
لكنني ضحكت طويلاً بعد أن حضرت جلسة صنعانية كأنها خارج الزمان والمكان . ثلاث ساعات من الضحك المتواصل ! يضحكون رغم أحزانهم ساخرين من كل شيء !. وفطِنْت قول أستاذنا الدكتور عبد العزيز المقالح أنّ أهل صنعاء هم ” مفنيين االملوك “! بمعنى أنّ تقلبات الأيام والعهود , وتغيّرات العصور لا تغير من طبائعهم ولا من فلسفتهم الساخرة الضاحكة .
في نهاية الجلسة أهداني أحدهم كتاباً ظريفاً هو عبارة عن مجموعة حكايات ضاحكة رواها القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني أطال الله عمره . وقد آثرت أن أنقل بعضها حتى تضحك أنت أيضاً قارئي العزيز إذا استطعت ! وسط أهوال ما تسمع وما ترى من أخبار وأحداث! ولعل الكثيرين لا يعرفون أن القاضي الجليل العمراني هو آخر ظرفاء عصره أيضا مثلما هو كبير علماء وقته وزمانه .
يروي القاضي محمد النكتة التالية ” سافر رجل ريفي من قرية جَدِرْ للحج والتقى مع رجل من أهل مكة ، فسأله المكي : ما مذهبك ؟ فلم يفهم ..وظن أنه يسأله عن بلده ! فأجابه : جدري ! فقال المكي ما سمعنا بمذهب يقال له الجدري ! فظن الجدري أن المكي يهزأ به ويسخر منه فسحب عصا كانت معه وأخذ يضرب المكي الذي أرتعب ورفع صوته قائلا ” رضي الله عن سيدنا جدر .. رضي الله عن سيدنا جَدِرْ”!
ويضيف القاضي محمد ظريفة أخرى .. يقول .. كان المشير عبدالله السلال مسجوناً في حجة إثر ثورة 1948,وبينما هو جالس مع زملائه السجناء إذ دخل أحد الحراس الجهلاء قائلا : أبشروا !..ستخرجون من السجن قريبا : فقد قبضوا على الدستور عند مدخل باب اليمن بصنعاء .. فقال السلال : أنا زعلان من عاق والديه “داروين” ذهب يبحث عن الحلقة المفقودة في أميركا كان أيجي هانا!
ويروي القاضي محمد أنه سافر ذات مرة مع القضاة إلى عدن بدعوة من وزير العدل ،الذي أستقبلهم بالشورت نتيجة لحرّ الصيف! فاستغرب القضاة ، ووجموا .. وجاء الخادم ليسأل القاضي عن طلباته شاي أم قهوة أم عصير ! فقال القاضي محمد : نريد مِتْر من البزّ !أي القماش ! فاستغرب الخادم وقال لماذا ؟ فقال القاضي: نعمله وصلة لسروال سعادة الوزير !
ويحكي القاضي محمد أيضا أن سيف الإسلام الحسين بن الإمام يحيى سافر إلى بريطانيا في زيارة، ولأنه كان موسوسا في الطهارة أخذ معه في شنطته حجارة يستجمر بها أي يتجفف !..فلما نزل في فندق راقٍ في ضيافة الحكومة البريطانية , أستعمل الأحجار في الطهارة ! وألقاها في الحمّام .. فانْسدّ الحمّام ! وجاءت فرقة عمال لإصلاحه .. فوجدوا الحجارة واستغربوا وتعجّبوا ! وكان الأمير ينظر إليهم شزراً وكأنّ الأمر لا يعنيه ! حتى خرجوا بالحجارة إلى إدارة الفندق التي لم تعرف حتى الآن سرّ الحجارة في الحمّام !
ومن الطرائف التي رواها القاضي , حكاية امرأة فقيرة في مدينة حجّه وكان لها قرابة في صنعاء يطمئنون عليها بالمراسلة لأنّ الطريق كانت وعرة وغير مرصوفة , فلما أنجز الصينيون الطريق وأصبحت سهلة معبدة كان أقاربها يزورونها كثيراً وحالة المرأة لا تحتمل الضيافة .. فكانت تستقبلهم قائلة : أهلاً وسهلاً .. لا رحم الله الصينيين !
ويحكي القاضي محمد أنّ جزّاراً في صنعاء كان يأتي إليه طفل يشتري منه اللحم وكان هذا الطفل مؤذياً للجزار يعبث بأدواته ويتقافز داخل المحل .. وفي يوم , أستسقى أهل صنعاء فنزلت الأمطار ووقعت صاعقة فاصابت ذلك الطفل فآذته ! فارتاح الجزار ! وبعد أيام جاءه طفل آخر يعبث ويفعل مثل سابقه .. فسأله الجزار عن اسمه وأسرته فقال انا اخو الولد الذي أهلكته الصاعقة ! فأخذ الجزار يقطع اللحم بالساطور وهو يقول :يا الله أسقينا الغيث .. يا الله أسقينا الغيث !.. وكأنه يدعو بصاعقة تأخذ الولد الثاني أيضاً .
أما الطريفة الخفيفة السريعة , فيروي القاضي محمد أنّ رجلاً سأل الإمام الشعبي عن المسح على اللحية في الوضوء ,.. فأجابه : خلّلها بأصابعك , فقال : أخاف ألّا تُبلّ بالماء ! فأجابه الشعبي : فانقعها إذن من أوّل الليل !
ختاماً فإننا ندعو الله بطول العمر وموفور الصحة للعالم الجليل الكبير محمد بن إسماعيل العمراني وسلامة قلبه الابيض الرائع , وروحه السّمحة النادرة .