بواكير ثمار الحوارمع الشعب..
بقلم / زيد الشامي
الحوار قيمة عظيمة، لكنها لا تؤتي ثمارها إلا إذا توافرت المصداقية والواقعية، ومشوار المعارضة في الحوار مع الحزب الحاكم، كان طويلاً، شاقاً، مُرهقاً لأنه –دائماً- ينتهي بالعودة إلى نقطة البداية، وعلى مقولة (نجّم لي ونجمي الأسد)، وحاورونا لتوافقوا أن نظل جاثمين على صدوركم إلى ما لا نهاية، وما يتم الاتفاق عليه يؤجل تنفيذه وعليكم إثبات حسن النوايا، وإلا سلقناكم بألسنة حداد!!
كبرت المعارضة، وتنامى السخط الشعبي من السلطة التي لم تستوعب ذلك، بل لم تقدّر الصبر والتحمل الذي يبديه اللقاء المشترك وشركاؤه الذين عليهم اليوم أن لا يندموا على مابذلوه من جهد كبير في مسيرة الحوار، إذ يكفي أنهم قد أقاموا الحجة، وبذلوا الوسع، ولم يدّخروا وسيلة تخرج اليمن من أزماته إلا وافقوا عليها، بما في ذلك التمديد للحزب الحاكم سنتين إضافيتين للتوافق على الإصلاحات السياسية والانتخابية، مع بقاء المعارضة تحت وطأة الحرب الشاملة والتضييق الذي لم يتوقف للحظة!!
ومع تملص الحزب الحاكم من الحوار وإغلاق أبوابه، والإعلان عن ذلك في آخر أكتوبر الماضي، وبلغة فيها الاستكبار والاستعلاء كان لابد للمشترك أن لا يسقط ورقة الحوار من يده، بل يحملها إلى من يقدّرها، يضعها بين يدي الشعب صاحب المصلحة في إصلاح الأوضاع والقضاء على الفساد، وبناء دولة النظام والقانون..
هاهو الحوار يبدأ: هادئاً، لطيفاً، ناعماً في المديريات والمحافظات عبر الندوات والمهرجانات والاعتصامات، وكانت المفاجأة أننا وجدنا الشارع متقدماً على النخب السياسية، تعتلج في صدره الهموم، يئن من الظلم، يتطلع للعدل والمساواة، بل إن كثيرين يعيبون على المشترك وشركائه البطء والتؤدّة، والهدوء الذي لا يتناسب مع تسارع الأحداث، ولا يوازي اندفاع السلطة وتهورها في الانفراد والاستئثار والإعجاب بالرأي، ذلك يؤكد أن الشعب هو الأولى بالتحاور..
لم تبدأ الهبة الشعبية بعد، وكلما يتم اليوم مجرد تهيئة، وحصر للقضايا والهموم فإذا هي أكثر من أن تحصى، وقطاع الشباب يغلي غضباً لأنه يعاني من البطالة والتمييز ويواجه مستقبلاً مجهولاً، حتى أعضاء الحزب الحاكم –في المديريات والمحافظات- يشكون المظالم والحرمان، ويستنكرون استئثار القادة بالمزايا والمناصب والرتب التي يتمتعون بها مع أولادهم وأسرهم والمقربين منهم..!!
بدأت بواكير ثمرات الحوار مع الشعب في إعلان زيادة في رواتب جميع المنتسبين للقوات المسلحة والأمن، وإطلاق سراح الحقوق المتأخرة لموظفي الدولة ، وإن كان هذا لا يسمن ولا يغني من جوع، لكن الوضع سيتحسن للموظفين كلما زاد الحوار مع الشعب عمقا واتساعا.
ويأتي الإعلان عن إلغاء التوريث من أهم فوائد الحوار مع الشعب، بل واعتباره وقاحة لا تليق بشعب قدم التضحيات في ثوراته المتعاقبة، ونتوقع خطوات تلغي هذا الوهم كسحب التعديلات الدستورية التي أثارت الجدل، وننتظر إعادة النظر في القيادات المدنية والعسكرية، بحيث يعاد الاعتبار لأصحاب الكفاءات والخبرات والتجربة التي أقصيت، وقدم عليها صغار الأسنان الذين تم إعدادهم في دورات (سفري) لأشهر معدودة وتم دفعهم إلى مراكز عليا، فتقدموا على من سبقهم سنا وتأهيلا وكفاءة، وسيأخذ هؤلاء الأبناء وضعهم الطبيعي كأقرانهم من أبناء الشعب دون تفضيل أو تمييز، وذلك كفيل بذهاب الأحقاد والضغائن أو التوثب للانتقام!!
وجميل أن نسمع بأن الفضائية اليمنية ووسائل الإعلام الرسمية ستفتح نوافذها لقادة المعارضة وهم يحاورون السلطة وحزبها الحاكم، بعد أن كانت محظورة عليهم لسنوات طويلة عجاف، وحتى توضع كل القضايا أمام الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في الشفافية والوضوح.
ومعارضة الخارج ستبلغها ثمار الحوار مع الشعب فها هي تدعى للعودة مع ضمانة الحفاظ على حياتها من الاغتيال والتآمر.
هكذا نرى- ومازلنا في بداية الحوار مع الشعب- أنه أجدى، وأكثر سرعة في توصيل رسائل المعارضة ومطالبها، وبالأمس خرج قادة المشترك في اعتصام غير مرتب له أمام مكتب النائب العام وخلال ساعة تجمع الآلاف، الله أكبر كم هو عظيم شعبنا، ويجب عدم تضييع الفرصة في الحوار إلا معه، ويجب عدم الخوف من التهديد والوعيد، فالتلويح بالقوة والسلاح لن تجدي أمام سلاح المعارضة الفتاك والمتمثل في النضال السلمي بدون بنادق ولا سكاكين ولا هراوات، والكيِّس من اتعظ بغيره.
من المؤسف أن القادة الذين يتحكمون اليوم بالوضع الأمني لم يسمعوا رئيس الجمهورية وهو يطبع وجهه ووجوه قادة الجيش والأمن لمعارضة الخارج ليأتوا بأمان ثم يهجموا على الأستاذ نايف القانص القيادي في المشترك ليقتادوه إلى السجن بعد الاعتداء عليه، أما كان الواجب أن تسمعوا خطاب الرئيس وتحترموا وعده؟ وكان من المؤسف أيضا أن لا يعقد قادة الجيش اجتماعهم السنوي إلا بعد اعتقال الناشطة الحقوقية توكل كرمان، في فضيحة مدوية تتنكر لمبادئ الإسلام التي تحترم المرأة، وتتعارض مع الدستور والقانون وتخالف القيم والشيم التي عرف بها اليمن، وإن كان ذلك قد أعطى هذه المرأة الشجاعة وساماً مستحقاً.